THE EMERGENCE AND DEVELOPMENT OF MODERNISM IN CONTEMPORARY ARABIC POETRY (1798-1950)

SALİH TUR / Şarkiyat Mecmuası Sayı 25 (2014-2) 209-231 209
THE EMERGENCE AND DEVELOPMENT OF
MODERNISM IN CONTEMPORARY
ARABIC POETRY (1798-1950)
نشأة حركة الحداثة وتطورها في الشعر العربي الحديث (1950-1798(
Salih TUR*
Abstract: This study has reviewed, the renovation movement in Arabic
poetry ever since it was started by Mahmoud Sami al–Baroudi until the
days the free verse movement as manifested in the poetry of Nazek al–Mela’ika,
Badr Shaker al–Sayyâb, and Abdul wahhâb al-Bayyâtî.
The study also pointed to the repercussions of Napoleon’s campaign
against the Arab region because it showed what extent this area was deeply
sinking in backwardness, further it– threw light on the need for renovation
even if it came from the west.
Modern poets believed that, it was necessary to regain firstly the language
and rhetoric of writers and poets of Abbasid period to get rid of
weakness in the poetry. Then, once language has got back its vividness and
strength, it was necessary to help new poetry to be a child of a new age.
Adventures and visits to unknown are as were necessary in the fields of
structure, rhyme, rhythm and subject, which ancient poetry left one by one.
When Jubran’s unique experience arrived, it was supported by the Appolo
and the Diwan Group’s effort and by the individual cooperations of the
Arab poets living in different places of Arab world.
Keywords: Modernism, Arabic Language, Modern Arabic Poetry,
al-Baroudi, Khalîl Cubrân.
* Doç. Dr., Harran University, Faculty of Arts and Sciences, Department of Arabic Language and
Literature (salih-tur@hotmail.com).
210 ÇAĞDAŞ ARAP ŞIIRI’NDE MODERNIZMIN DOĞUŞU VE GELIŞIMI (1798-1950)
ÇAĞDAŞ ARAP ŞİİRİ’NDE MODERNİZMİN
DOĞUŞU VE GELİŞİMİ
(1798-1950)
Öz: Bu makale, Mahmud Sâmi el-Bârûdî ile başlayan, Nâzik el-Melâike,
Bedr Şâkir el-Sayyâb ve Abdulvehhâb el-Beyyâtî’nin şiirlerinde serbest
vezin eğilimi görüldüğü dönemlere kadar Arap şiirindeki yenileşme hareketini
inceler.
Bu çalışma aynı zamanda Napolyon’un Arap bölgesine seferinin etkilerini
de ele alır. Çünkü Napolyon’un bu seferi, bu bölgenin ne denli geri
kalmışlık içine gömüldüğünü, batıdan gelmiş olsa bile yenileşme ihtiyacı-
na ışık tuttuğunu gösterir.
Şiirde zayıflıktan kurtulmak için Abbasî döneminin şair ve yazarlarının
dilini ve sanatını geri getirme düşüncesi çağdaş şairler arasında egemendi.
Zira Arap şiirinin gerek içerik gerekse şekil bakımından içine düştüğü geri
kalmışlıktan kurtulmak ve ona yeni bir soluk aldırmak için eski dönemlerdeki
gücünü ve canlılığını yeniden kazanması gerekirdi.
Biçim, kafiye, vezin ve temada eski şiirin örnek alınması ve bu bağlamda
Çağdaş Arap şiirinin modernleşme sürecinin başlatılması birçok çağdaş
Arap şairin ortak yaklaşımıydı.
Cubran’ın Çağdaş Arap Şiirinde getirdiği eşsiz açılım, gerek Apollo
Grubunun gerek Divan Grubunun gerekse Arap dünyasının farklı yerlerinde
yaşayan şairlerin bireysel çaba ve çalışmalarıyla desteklenmiştir.
Anahtar Kelimeler: Modernizm, Arap Dili, Modern Arap Şiiri,
el-Bârûdî, Halîl Cubrân.
الملخص:
تعقبنا في دراستنا هذه حركة التجديد في الشعر العربي منذ ابتدائها على يد محمود سامي البارودي،
ً إلى انطالق حركة الشعر الحر. كما ظهر في دواوين نازك المالئكة وبدر شاكر السياب
وصوال
وعبد الوهاب البياتي.
ً من المحال.
وفي السياق ناقشنا المعوقات التي تجعل اإلبداع في مجتمع من الجتمعات ضربا
باألخص عندما يتم إحكام األسيجة داخل العقول. ورأينا كيف جاءت غزوة نابليون بونابرت للمنطقة
العربية فكانت صادمة ألنها كشفت كم كانت تلك المنطقة موغلة في التخلف وكشفت، بالمثل الحاجة
ً، إستعادة لغة األقدمين،
إلى التجديد حتى لو جاء من الغرب. ففي مضمار الشعر كان ينبغي أوال
وديباجاتهم للخالص من الركاكة. ثم بعد أن استعيد ألق اللغة وجزالتها، كان المطلوب أن يكون
ً للعصر الجديد، األمر الذي تطلب ارتياد مجهوالت ومغامرات على صعيد البنية
الشعر الجديد ابنا
ً
ً إثر آخر. وصوال
واإليقاع وحتى مواضيع الشعر، التي صارت تهجر أغراض الشعر القديم غرضا
ً ٍ إلى جنب مع كل الروح الطموحة لجماعة
إلى تجربة جبران خليل جبران الفريدة التي كان لها جنبا
ً فيه إرساء الحداثة كما تجلت في مطلع
الديوان و جماعة ابوللو، والشعراء المفردين هنا وهناك دورا
ً من عناوين اإلنتماء للعصرولهمومه وقضاياه،
ً َ ال م ِح َيد عنه وعنوانا
الخمسينيات، وجعلها واقعا
ً لبعض النصوص الشعرية العربية المعاصرة أن تزاحم للدخول إلى العالمية.
بحيث غدا ممكنا
SALİH TUR / Şarkiyat Mecmuası Sayı 25 (2014-2) 209-231 211
الكلمات المفتاحية: الحداثة، األدب العربي، الشعر العربي المعاصر، البارودي، خليل جبران.
ُّب حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر منذ نشأتها أواخر القرن التاسع
تحاول دراستنا هذه تعق
ً إلى إبتداء ترسخها النهائي على صعيد الشكل والمحتوى في مطلع الخمسينيات من
عشر الميالدي وصوال
القرن العشرين. ولفهم تلك الحركة ال بد أن نتطرق للعصور التي سبقت هذا العصر والتي تسمى عصور
ِما أحدثته من أعطاب على فكر المجتمع العربي.
االنحطاط ل
ً ٍ من المجتمعات بدقة فتجعل اإلبداع في
ويمكن رصد الظروف الحياتية والفكرية التي قد تسود مجتمعا
ً ُ من الم ُ حال. أما األصعب فهو تقديم وصفات جاهزة لحدوث تجديد أو لوالدة الشاعر
ذلك المجتمع ضربا
ً َّ أن التجديد ال يحدث عند األفراد أو الشعوب، إال إن ألح
العظيم. وربما يكون من البديهي التسليم أوال
ٌ عليه نزوع ُ داخلي، أو تحفيز خارجي، وذلك بأن تبدأ األسيجة والم ّشادة داخل العقل ومن حوله بالتداعي،
ويصاب شعور الرضى عن النفس بخيبة أمل، وإحساس بالضآلة في مواجهة إكتناز اآلخر على أنه وأن
ِّبة لشراين الروح، فإن إنجاز كل تطلع مهما كان
ٍ راحت األنفس تصبو إلى مألوف ُ يخرجها من الرتابة الم َصل
ً، يحتاج إلى عناء شديد، وال يتحقق بذات البساطة التي توجد فيها الرغبات.
ضيئال
وهكذا تمر في حياة األمم أزمان، مثل عصور االنحطاط التي مرت بها الحضارة العربية اإلسالمية.
تستنقع فيها أنماط التفكير وأنشطة المجتمع قاطبة، ومنها األدب بكافة تعبيراته. وما ذلك في الغالب إال
ُسهم في إيجاده ظروف عديدة ال مجال ها هنا للتفصيل فيها بين الحكام والنخب الفكرية، من
ٍ نتاج تواطؤ ت
ً لذلك التواطؤ منظومة قيم وأعراف وضوابط صارمة تشير
َ فقهاء ومؤرخين وشعراء متر ِّسلين فتتكون تبعا
ً، من القمة إلى
ٍ على نحو كاذب ُ بوجود بنيان ملحمي فكري مؤيَّ ٍد من العناية اإللهية لمكونات المجتمع قاطبة
القاعدة.
ِ والواقع أنه حينما يتم إحكام األسيجة داخل العقول وم ْن حولها يُ ُصبح مستحيلة رؤية الجديد، الذي قد
ُّ ٍق ٍ في أمكنة أخرى ويستحيل ،بالمثل، إستشعار الحاجة لتجديد البُنى شبه الميتة، ويكون
َ َخل
يكون في حالة ت
ِينة خادعة، بأن مألوف األشياء هو النموذج األمثل
َمأن
ُ
ً وظيفة واحدة: إشاعة ط
للتواطؤ الذي أشرنا له سابقا
ُ للتناغم بين ما تريده العناية اإللهية وما يقدر عليه البشر.
شعور الرضى عن النفس هذا؛ بأن ليس في اإلمكان أبدع مما كان قد يستمر بعد أن يكون قد أنقطع عن
رؤية ما يجري في أمكنة أخرى من العالم، وبعد أن يكون قد أخمد صبوات الروح، وأحل محلها منظومة
ً لضوابطها. وبعد أن يكون قد أقام قطيعة مع
ُ ْد َر ُس األعمال اإلبداعية وفقا
ِ الثواب والعقاب، كح َكٍم ٍ قيمة ت
ماضيه المشرق، قد يستمر كالحالة التي سادت األدب العربي في قرون طويلة، تختفي فيها األسئلة وينتفي
ً عن
ً أم شاعرا
ً أم حاكما
ً كان أم مؤرخا
ُ القلق، وليس هناك غير سطوح، بال أعماق يقدر ُّ كل ٍ أحد، فقيها
)1)وفي هذا الصدد أحد الباحثين: » لم يتعلق
َحظى من الكتابة بإسمها دون جوهرها.
ِت
ً إلى جنب ل
وصفها جنبا
ُ الناس في العالم العربي بشيء، وهم في نهاية عصر الجمود واالنحطاط مثل تعلقهم بفكرة الثبات. فهم
ّ اليطمعون في تطو ٍر ً ، أو يطمحون إلى تغير. وانعكس ذلك على عقيدتهم فهم يتخذون منها وقاء ضد كل
ً ٍ لتبرير كل شىء... وهذه األفكار هي التي كانت تحيط ذلك الواقع الجامد بسياج من التبرير،
بدعة ومنطقا
فتجعل الحياة داخله بمثابة الحياة داخل كهف ... وكان ذلك الكهف الكبير بنجوة من حركة التطور، وكان
َ ُّرهم الزمن كأنهم كابوس ثقيل فإذا تراءت لهم صورة لما كان يجري في
َجت
َ ْي ِأة أيقاظ، ي
ً في ه
أهله رقودا
ِ ُك َفر ٍ تها، وأستهزأوا بقوم كتب لهم نصيب من الدنيا، وهم عن األخرة
ُّوا ب
أوروبا الناهضة أو سمعوا به استخف
غافلون. وحتى عندما داهمت أوروبا العالم العربي كان حكام هذا المجتمع يظنون أن قوة األفرنج ال تستطيع
ً للموقف الفكري للباحث على
ً للحقل المعرفي موضع الدراسة وتبعا
1 ٍ يختلف تقدير الزمن الذي استقرقه عصر اإلنحطاط من باحث إلى أخر تبعا
أنها قد تمتد ما يقرب من سبعة قرون منذ سقوط بغداد على يد المغول عام 8521م حتى أوساط القرن التاسع عشر.
212 ÇAĞDAŞ ARAP ŞIIRI’NDE MODERNIZMIN DOĞUŞU VE GELIŞIMI (1798-1950)
)2 )ويصف تعاقب القرون األخيرة كما يلي: » بدأت أخر طالئع االنحطاط في القرن
أن تقف أمام خيولهم.«
التاسع )الهجري( َّ وزاد انحطاط العلم في القرن العاشر... أما القرن الحادي عشر فهو شبيه بتاليه وسالفه
من حيث قلة اإلبداع والتجدد واالكتفاء بالموجود ... ورحل القرن الثاني عشر وال تجديد فيه وال جديد، إال
ً ال إبداع فيها وال إختراع ... وكان القرن الثالث عشر تتمة القرن
)3 ُ )النظر في قضايا قديمة الكتها األلسن قديما
ٌ الثاني عشر، ولكن فيه بطء ٌ وضعف ...«
ُ لم يحدث االنحطاط في الحضارة العربية واإلسالمية دفعة واحدة، كما وأنه لم يُصب الجوانب المتنوعة
ً
لإلبداع الحضاري بذات القدر المتساوي من الضرر. غير أنه وبسبب من رهافة الشعر وأعتماده، أوال
ٍ وقبل كل شىء، على وجود الذات الشعرية المبدعة، وعلى تسامح الضوابط، بل وهشاشتها، وعلى إستعداد
ً متابعة
ِ ِيميَّة واألعراف المرغوب دوما
ُّ ُ تات تطال الضوابط الق
َل
َف
ُّبوغ وما سيتبعه من ت
َ ِهم الن
َف
ِت
المجتمعات ل
إمالءاتها، فإن عالمات انحطاط أي بنيان حضاري تظهر أول ما تظهر في الشعر. إذ تنشأ حينها شروط
َ إجتماعية وسياسية تتم فيها معاقبة كل شطط مهما ض ُ ؤل. وحينذاك تستوي، لدى الجميع، حتى لمن يعتلج في
ٌ داخله نازع لالبداع بوجود الشعر أوعدمه.
ً، القول بأن أعظم الشعر العربي القديم، كما تجلى في أمثلته الكبيرة؛ المتنبي، والمعري
قد يبدو غريبا
ِ ِّ ب في ظل ُّ تفسخ الخالفة اإلسالمية وأنقسامها إلى إمارات متناحرة. األمر الذي قد
ُ والشريف الراضي، كت
ً ُّ إلى إستنتاج أولي ٌ بأنه كان لذلك التفسخ دور ٌ كبير ُ في إتاحة هامش واسع من حرية ال
يغري بالقفز سريعا
يستطيع أي أبداع عظيم أن يوجد بدونها.
ً بيد أن حالة التفسخ تلك شكلت إغراء للطامعين على كثرتهم للقضى على الحضارة العربية اإلسالمية،
ِ ِ ملء الفراغ واإلفادة من الوهن
واإلستيالء على ميراثها من األرض والثروات. وكان أول القافزين ل
األسالمي، الغرب الالتيني الذي استنفر- أواخر القرن الحادي عشر الميالدي- طاقات أوروبا كلها لتحصيل
َح للقائمين على تلك الهجمة تحقيق األهداف األصلية
ِ موطىء قدم له في قلب بالد الشام )فلسطين( ْ . ولم يُت
لحمالتهم. إال عبر إيقاد الحماسة الدينية لدى جموع الغرب الزاحفة نحو الشرق، وإقناعها بأن شحذ العزيمة
ً إلى تحقيق سعادة الدارين. وكان الرد على إيقاد الحماسة الدينية
والتسلح بالصبر، وتحمل الشدائد سيقود حتما
لدى الغرب إيقاد مماثل للحماسة الدينية في الشرق.
وما أن راح الوجود اإلفرنجي في المنطقة يترنح تحت ضربات الفروسية اإلسالمية بقيادة األيوبيين
حتى أنقض المغول عام 8521 م. على بغداد، عاصمة الخالفة اإلسالمية فتركوها هي وما تحتضنه من
ً َّ . بيد أن المماليك الذين اختطفوا الحكم
ُ قصورها ود ِور ً ها ومكتباتها من تراث حضاري إسالمي هباء منثورا
ً َّ لهجمة المغول التي دمرت بغداد، وأن يتصدوا لموجات المغول
من األيوبيين استطاعوا أن يضعوا حدا
ٍ والتتار التي ظلت تنتاب المنطقة ألكثر من قرن ُ ونصف، وكان آخرها هجمة تيمورلنك الم ِّروعة أوائل
َ ْح للماليك - ومن قبلهم األيوبيين- تطهير البالد من الوجود اإلفرنجي الغريب
القرن الخامس عشر. ولم يُت
والتصدي ببسالة لموجات التدمير التي قادها المغول والتتار إال بتوحيد العالم اإلسالمي، وإمساكه من
ُ ْعلي روح االستنفار واليقظة، وال تتيح أي مجال لتنوع األفكار وتعدد الرؤى
نواصيه كلها بقبضة حديدية ت
َو ِل من فلسفة وجدل وعلم الكالم وكل ما قد يُ ِذكي الترف الفكري للعصر الذهبي
ُ
واإلشتغال بعلوم األ
للحضارة اإلسالمية في القرنين الرابع والخامس للهجريين.
ورغم أن األيوبيين ومن بعدهم المماليك دافعوا عن األرض العربية اإلسالمية، و تصرفوا بها كما لو
ُّ ً وا إلى أن أنتهى حكمهم بحلول العثمانيين مكانهم إبتداء من عام
أنهم أبناؤها إال أنهم وباألخص المماليك ظل
2 محمد الكتاني، الصراع بين القديم والجديد في األدب العربي، الجزء األول، دار الثقافة-الدارالبيضاء 1981 ،ص47-49.
3 محمد كرد علي »خطط الشام« الجزء الرابع، مطبعة الترقي، دمشق 1926 ،ص 55-79.
SALİH TUR / Şarkiyat Mecmuası Sayı 25 (2014-2) 209-231 213
1516 َ وكانت الجندية مهنتهم وإبداعهم الوحيد وكان سيَّ ِ ان عندهم إزدهار العلم ُ واألدب أو إنحطاطهما.
ُّوا
وبسبب من تواصل التهديدات الخارجية, وتواصل الصراع الدامي فيما بينهم لالستحواذ على السلطة ظل
ْ ِم ْهم مسألة ضبط
ِ في قلب التقاليد العسكرية الصارمة. وتركوا للفقهاء ممن يتم التثبت من والئهم ال من عل
الروح الجماعية لألمة ومراقبة التفلتات على مستوى الوعي والنظرة إلى األشياء والعالم. قام هؤالء الفقهاء
بمساعدة السالطين الجائرين - وعلى نحو غير مسبوق في تاريخ الحضارة العربية اإلسالمية- بأصطناع
ٍ
وحبس ٍ وقتل، أمر محاسبة كل خروج
ُ ٍ وكل ألساليبهم في العقاب من تعزير ٍ
اسوار شاهقة بين الدين والعلم، و ا
ُ ٍ م، ال الشريعة، ضوابطه ومحدداته فكان أن خبت المواهب، وقتل كل اجتهاد
عن اإلجماع، الذي وضعوه ه
في النفوس، بعد أن انعدم كل حافز يستدعي خروجه إلى
ٍ ً
ً - ميتا
ُ العلن، ورفعت العصى الغليظة في وجه جميع الفرق اإلسالمية من غير المذاهب األربعة المعترف بها؛ ٍ وإبداع فور شيوعه إلى أن صار- أخيرا
وهي: الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية. وازداد أكثر من أي وقت مضى العسف والتشدد على أهل
الذمة، بحيث وجدوا أنفسهم في كثير من األحيان في خيار بين استمرارهم في العيش، أو إستمرارهم في
الدين الذي يتبعونه.
ً- مع منظومة
ً- فكريا
ً ثم جاء الحكم العثماني ابتداء من أول القرن السادس عشر الميالدي، فكان متطابقا
َّ القيم التي سادت إبان حكم المماليك فظل ُ الوضع على ما هو عليه.
لم ينعكس الصراع العسكري بين أمراء المماليك. ومن بعده تمرد بعض الوالة العثمانيين على السلطة
،ً
ُمراء المحليين الذين استفحل أمرهم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ ازدهارا
المركزية، ونشوء اال
َ يذكر على حياة الناس المادية والروحية، بل لقد ج َ لب الكوارث في معظم حاالته. فكان أن أمعنت المنظومة
ُ ٌ س خراب َّ كان ال بد للخروج منه من حدوث صدمة قوية
الفكرية المهيمنة في تكلسها، وساد األرض واألنف
ِ تظه ُر القيم واألعراف البالية متلبسة بجريمة التجهيل، وإغالق العقل وحجب الرؤية عما كان يجري في
ُخرى من العالم.
أمكنة أ
ً لقد حدث التصدع في موروث الوعي أو حدثت صدمة الحداثة- حسب تعبير الشاعر أدونيس- ابتداء من
ٍ مطلع القرن التاسع عشر، مع غزو نابليون بونابرت لمصر وبالد الشام. فلقرون ٍ خمسة خلت، ومنذ أن قام
َّ السلطان المملوكي خليل بن قالوون بإنهاء آخر وجود إفرنجي في عكا على ساحل بالد الشام في فلسطيين
ٌ عام 1921م، ساد اطمئنان أثبتت األيام كذبه بأن األطماع األوروبية في الشرق العربي هي أمر من أمور
ً من
الماضي. كان غزو نابليون بمثابة استئناف جديد لهجوم قديم أستنزف طاقات المنطقة، وكان واحدا
ً من دائرة الخلق واإلبتكار إلى دائرة
ً فشيئا
ً- إلى ترميدها وخروجها شيئا
َّ األسباب الرئسية التي أدت –الحقا
اجترار الذات والموت البطىء.
ولم تحدث الغارة على الشرق هذه المرة بدعاوي الحماسة الدينية كما في غابر األيام، بل لقد نبعت-
وقبل أي شىء، ودون إغفال العوامل األخرى- من حاجة التطور الهائل الذي بلغته المعارف والعلوم
الصناعات في أوروبا، ومن حاجة القابضين على ذلك التطور لالستحواذ على العالم، وتسخيره لغرض
ُ ُ مدها القصية، وجعل مجتمعاتهم تنعم بالعيش الرغيد.
إيصال المعارف إلى آ
دخل القرن التاسع عشر والشعر العربي في أسوأ حاالته، فمنذ ابن عربي، وابن الفارض اللذين تواجدا
َ َركا أعمق شعر صوفي أنتجته اللغة العربية، لم يعرف الشعر العربي على
في صدر الدولة األيوبية، وت
ً من الشعر. لقد
ً واحدا
ً يمكن للذائقة المعاصرة أن تتذكر له بيتا
ً واحدا
مدى القرون السبع الالحقة شاعرا
عرفت هذه الفترة شعراء كثيرين، كابن الساعاتي )1158-1207 ،)وابن عنين)1154-1232 ،)والشاب
ً لشعر
الظريف)1263-1289 ،)وفتيان الشاغوري)1139-1218 )وغيرهم، وعرفت بالمثل ازدهارا
ً
العامة من الناس، والذي قد تكون بعض نماذجه أفضل بكثير من الشعر المكتوب بالفصحى وأكثر تعبيرا
َّ عن روح العصر إال أن تسابق الشعراء المحموم للوصول إلى كمال الصنعة أدى إلى التكلف الذي فتك
214 ÇAĞDAŞ ARAP ŞIIRI’NDE MODERNIZMIN DOĞUŞU VE GELIŞIMI (1798-1950)
ً لعصره،
ً طوال تلك القرون المسماة )عصر االنحطاط(، ِ ولكن كما يضيف أدونيس فإن سيره ر ْدف اتجاه الصنعة الفنية إلى حدها األقصى أوصله إلى االنحطاط. )4 ُ )برونق الشعر وروحه. لقد عكس ذلك الشعر عالم المدينة الناشئة وحساسياتها، وأصبح م َشاكال
وبسبب من طبيعة التعليم الذي كان سائدا
ً أم
ً؛ فقد جاء الشعر- سواء كان صاحبه مسلما
ً دينيا
وباألخص القرون األخيرة منها، وكان بمعظمه تعليما
ً ُ م ُ ثلى لالقناع؛ فهكذا لو فتش المرء في بطون
ً بالموضوعات الدينية التي تتخذ من الوعظ أداة
ً- مثقال
مسيحيا
الدواوين الموروثة من تلك القرون فلن يجد سوى المدائح النبوية أو موضوعات الكتب المقدسة المنظومة
ً. »كما لن يجد سوى التقاريظ واأللغاز والتاريخ بالشعر والتخميس والتشطير واللعب الذي ال طائل منه
شعرا
أو سفر أو بمجئى
عن إستمرار األغراض الموروثة من مديح ورثاء وتهنئة بالعودة من حج ٍ
ٍ ً
باأللفاظ فضال
مولود إلى ما هنالك من موضوعات.«)5)
ً؛ ذلك أن قيود السجع »كانت قد تحكمت بفن التراسل
بالطبع، لم يكن النثر العربي بأحسن حاال
َ َّمقة دون
ُ النثري منذ الصابي والقاضي الفاضل والعماد اإلصفهاني، فأحالت الكتابة اإلنشائية إلى الفاظ من
)6 َّ )وهكذا أهل القرن التاسع عشر« ولم يعد في إستطاعة كثير من الكتاب أن يسلموا من
ٌ محصل لغوي«
َّ اللحن الفاحش أو يأتوا بالمفهوم المقبول، بل عز عليهم اللفظ الجزل، واألسلوب القوي، فلجأوا لزخرفة
)7 ُ )الكالم والمحسنات البديعية، يخفون بها عوز كالمهم، وقد أكثروا من هذه الحلى اللفظية حتى استغلق فهم
ً من آثار من سبقوهم من الكتاب«
َ الكالم، وأتوا بالغث السجع الذي إن ح ُس َن فيه شىء كان سرقة واغتصابا
ذاك هو واقع اإلنحطاط في الشعر، والنثر، والتعليم، وفي شتى مناحي الحياة، حينما راحت في العامين
ً
األخرين من القرن الثامن عشر، مدافع نابليون بونابرت تدك أسوار اإلسكندرية وحارات القاهرة وأخيرا
أسوار عكا. ورغم العمر القصير لغزوة بونابرت للمنطقة العربية، بسبب مقاومة أبناء المنطقة لها، وبسبب
تألب القوى اإلستعمارية األخرى عليها، إال أنه كان لتلك الغزوة، وباألخص في مصر، أثر اليستهان به
ً اللتقاء الشرق بالغرب، واإلفادة، وإن
َّ على التطور الالحق للمنطقة العربية برمتها، فقد فتحت الباب واسعا
َة اإلنحطاط التي كانت قد أحالت
كانت على نحو متفاوت من إنجازاته العلمية والثقافية بغية الخروج من بُ ْره
المنطقة العربية إلى ما يشبه األرض اليباب.
فكان أن تتالت- في حكم محمد علي باشا، وحكم ساللته من بعده- البعثات العلمية إلى فرنسا، وانتشرت
الطباعة، وتنوعت الكتب التي صارت تطرحها المطابع ما بين تراثية، أو مؤلفة، أو مترجمة، وصلت إلى
قطاعات أوسع من الناس. كما ابتدأ- منذ أواسط القرن التاسع عشر- إنشاء الصحف العربية في بالد الشام،
بسرعة تجديد لغة النثر وتخليصها من قيود السجع، وتعبئتها بأكبر قدر من المعنى، بعد أن كان للصنعة ٍ واألستانة، وأوروبا، ثم في مصر على يد نفر من المثقفين السوريين، األمر الذي ساهم -على نحو كبير-
فيها النصيب األوفر. ٍ
ً أطول حتى تدب الحيوية، وبراعم التعبير في
أما فيما يتعلق بالشعر العربي فقد كان عليه أن ينتظر وقتا
عروقه؛ فقد كان كما تقول سلمى الخضراء الجيوسي » في حاجة إلى زمن أطول من النثر ليخلص نفسه
مما علق به من تقاليد غير محمودة، تغلغلت فيه مع طول المدى ... )ذلك أنه( بأشكاله األقل مرونة )من
أوزان وإيقاعات يزيد عليها في الشعر العربي خاصة نظام الشطرين والقافية الواحدة( يقاوم لمدة أطول
)8)وتقول
ً من الفن الشعري«
المحاوالت التي تهدف إختراق مناعة، بعد أن غدت التقاليد غير المحمودة جزءا
4 أدونيس »الثابت والمتحول« صدمة الحداثة، الجزء الثالث، دار العودة، بيروت 1978 ،ص 55.
5 عبدالرحمن ياغي حياة األدب الفلسطيني من أول النهضة حتى النكبة، المكتب التجاري، بيروت 1967 ،ص 121-157.
6 إحسان عباس، تاريخ النقد األدبي عند العرب، دار الثقافة، بيروت1981 ،ص617.
7 عمر الدسوقي، في األدب الحديث،دار الفكر العربي،القاهرة 1955 ،ص 13-14.
8 سلمى الخضراء الجيوسي، اإلتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث، مركز درسات الوحدة العربية، بيروت 2001 ،ص42.
SALİH TUR / Şarkiyat Mecmuası Sayı 25 (2014-2) 209-231 215
ً-: »فإن النهضة األدبية الحديثة عند العرب قد بدأت في سوريا ولبنان، وليس في مصر،
الجيوسي- أيضا
ً، كما أن التطورات التي أصابت النثر
ً كامال
)9 ُ )فقد عرف النثر العربي تحوال
وفي مجال النثر قبل الشعر.«
أثرت في لغة الشعر ومصطلحاته، مما قاد إلى إعادة النظر في إمكانات الشكل الشعري.
ً النهوض بالشعر العربي إال عبر تذكير الناس بأنه كان للعرب ذات يوم شعر
يبدو أنه لم يكن ممكنا
المهمة التي لم يكن القيام بها- آنذاك- باألمر السهل، قام بها على أمثل وجه الشاعر المصري محمود سامي ٍ عظيم، وأنه على اللغة أن تتخلص من ركاكتها، وتتأهب لصياغة شعر معاصر يضارع ذلك الشعر. هذه
البارودي. فثمة إجماع على أن البارودي يشكل بداية النهضة الشعرية وهو شاعرها األول. فمعهُ صار
ُ السامع ُ أوالقارئ في حضرة شعر يشابه شعر أبي تمام، والمتنبي ويمثله من حيث الصياغة والجزالة،
َ وفحولة العبارة. فقد أنهى التكلف الذي طغى في عصر اإلنحطاط، و و ْص َل شعر القرن التاسع عشر بأفضل
لقرون عديدة. )10 ِّ )أمثلة الشعر القديم، فضال عن معالجته للهم الوطني، وهو األمر الذي كان قد غاب عن موضوعات الشعر
ً من طريق الضعف والركاكة إلى
ً واحدة
» لقد وثب البارودي- كما يقول العقاد- بالعبارة الشعرية وثبة
طريق الصحة والمتانة... فإذا أرسلت بصرك خمسمائة سنة وراء عصر البارودي لم تكن تنظر إلى قمة
َ ْو ِد المنفرد، فال يرى أمامه غير التالل والكثبان
ُ واحدة تساميه أو تدانيه، وكنت كمن يقف على رأس الط
ٌ ٍ في تاريخ األدب المصري ترفع الرجل بحق إلى مقام
ُ قديرة
ً والوهاد إلى أقصى مدى في األفق، وهذه وثبة
.)11(
الطليعة أو مقام اإلمام«
كان عصر البارودي عصر نزوع إلى التحرر والتميز القومي »فقد عارض لغة زمانه بالعودة إلى لغة
ُ
َّ العصر العباسي وما يتميز به من متانة وفخامة، فأعاد إنتاج ما حملته تلك اللغة من قيم، هكذا شكل شعره
صلة بين النصوص القديمة والمحدثة. وفي هذا يكمن دوره اإليجابي بالنسبة إلى عصره. إنه بهذ العودة
إلى القدامى قد وصل األجيال التي تلت بمنابع الشعر العربي األصيلة في عصر إفتقد النماذج اإلبداعية،
ً منه في مغامرة ٍ
التجديد واإلبداع.«)12 ْ )وهكذا أرسى القاعدة التي هيأت للذين جاؤوا بعده أن يتزودوا بذلك الموروث وينطلقوا بدءا
وعند هذا الحد ينتهي دور البارودي في معركة تجديد الشعر العربي، ذلك أنه من حيث بنية الشعر
ً له طوال حياته، فنحن ال
ً لنموذج ثابت » يقوم على مثال الشعر القديم. وبقي مخلصا
وأغراضه ظل أمينا
ً في الشكل. وال في الموضوع في شعره على مر السنين ال بل إن الكالسيكية المحدثة
ً اساسيا
َغيرا
نلمس ت
التي أرسى البارودي بنيانها، وأصبح شوقي فيما بعد أهم ممثليها صارت ورغم أنها أحيت النموذج األكمل
ُ تمارس ِ مع االيام دور الرقيب على الشعر ..«)13)
لقد حاكى« البارودي شعر البداوة وأفرط المحكاة حتى ذكر الرسوم واألطالل والرعيان والقبائل ...«
ً فمن حيث البناء الصوتي حافظت قصائده على وحدة الوزن
ِّباعيا
)14 )كما ظل »في مالمحه األساسية إت
والقافية. كما حافظ شعره على وحدة البيت وإستقالله، وتعددت األغراض عنده في القصيدة الواحدة، أما
من حيث الموقف والنظر فهو يقف من األشياء موقف الواصف ألن بينه وبينها مسافة ذهنية وثقافية ومن
حيث القيم كانت أغراضه الشعرية تعليمية، أما األلفاظ فقد تخيَّر أفصحها وأقربها إلى األجواء العباسية بل
9 سلمى الخضراء الجيوسي، المرجع السابق ص37-38.
10 J.Brugman, An Introduction To The History of Modern Arabic Literature In Egypt, Leiden 1984, p 28-33.
11 عباس محمود العقاد، شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي، مطبعة حجازي، القاهرة 1937 ،ص122.
12 خالدة سعيد، حركت اإلبداع، دار العودة، بيروت 1979 ،ص27.
13 سلمى الخضراء الجيوسي، المرجع السابق ص62.
14 عباس محمود العقاد، المرجع السابق ص19-27.
216 ÇAĞDAŞ ARAP ŞIIRI’NDE MODERNIZMIN DOĞUŞU VE GELIŞIMI (1798-1950)
)15(
البدوية في أحيان كثيرة«
،ً
ً ومعنا
نقطف هذه األبيات من شعره: )16 ِ )وكنموذج على شعره الذي وقف فيه على األطالل والدَمن، وتمثلت فيه الجاهلية روحا
ِ َس ِ ائــل
ً ل
َانا
َي
َ ْر ِج ْ ـع ب
َ ْم ت
ناز ِل ْ وإن ِ ه َي ل
َ َ الم ِ
َ َّحي ِ م ْن ْ »أس َم َاء َ « ر ْسم
أال
ِ ِ ــل
َ ُ اضيب ُ الغيُ ِ ـوم َ الح َواف
َا أه
َ ْيه
ٌ خالء ُ تعفتها الروامس ْ والتقـت َ عل
أراني بها ما كان باألمس َ ش ِ اغلـي
َ ْعَد ٍ ترســم ِ
ً ُ عرفت َ الدار ب
فأليا
ِ ِ ــل
ان َ العقائ
ِ ِ لح َس ِ
َ ْت َ و ِه َي م ً أوى ل
َ َ الما غن
َ َي م ً رعى ِ للظباء َ وط
ْ غدت وه
َّ لقد أحسن الرعيل األول كالبارودي والساعاتي وشوقي وحافظ ممن كتبوا أواخر القرن التاسع عشر
وأوائل القرن العشرين بالحاجة إلى قفزة تخلص الشعر من الركاكة وتملؤه بالمعنى، بعد أن امتأل بسفاسف
ّ األمور، فوجدوا الحل من خالل نموذج الماضي والنسج على منوال أروع ما فيه، والعودة إلى اللغة المشرقة
والمتينة والقابلة؛ ألن تمتلىء بعظيم األفكار والرؤى.
بيد أن إجالل هؤالء للشكل القديم حال بينهم وبين رؤية الحاجة إلى إدخال تعديالت شكلية تتناسب
واحتياجات العصر الذي يعيشون فيه، بل إن هؤالء راحوا يعارضون- بعنف- أية تغيرات تطال بنية الشعر
وإيقاعاته الموروثة. والواقع أن شعر هؤالء وإن إفتتح التجديد في الشعر لكنه سرعان ما أثار المعركة حول
ماهية التجديد، أهو فقط استبدال الركاكة بالفصاحة وإضافة شيء من التلوين العصري على الموضوعات
األبدية للشعر العربي.
يرى فريق من النقاد، وعلى رأسهم العقاد أن المشكلة كانت تتمثل في التخلص من الركاكة وإستعادة
َّ اللغة التي كانت قد ضاعت عبر عصور االنحطاط، وكما يقول العقاد: » الشعر في مصر تدرج من شعراء
الحملة الفرنسية )العروضيين( إلى شعر صفوت الساعاتي، إلى شعر سامي البارودي )المطبوعين(؛ ألن
ٌ األمر هنا متصل بتعليم اللغة وشيوعها بين المتأدبين والشعراء، وكأنه تدرج في العلم ال في الشعر وفي
َ األداة ال في الجوهر، فلما استوفى التقدم اللغوي أمَده، بطل التدرج عام بعد عام وحقبة بعد حقبة. وقد
استوفى التقدم اللغوي غاياته في عصر البارودي، فصبري فشوقي، فال تدرج فيه بعد ذلك، وإنما فيه
ٌ إختالف في المزايا والخصائص بين الفخامة والدقة أو الموسيقية أو اإلغراب والسالسة.«)17)
ً- لماذا ظل شعره وشعر مجموعة الديوان التي التفت حوله،
موقف العقاد هذا يُ ْظ ُهر - كما سنرى الحقا
ً إال فيما ندر من المغامرة على صعيد الشكل في حين أننا نعد هؤالء من
ْوا
ِ وكان بمثابة األب الروحي لها، خل
التمردين على الشعر الذي كان في عصرهم، باألخص على شوقي وحافظ اللذين كان لهما النصيب األوسع
)18(
من النقد الذي استهلوا به شهرتهم األدبية وجاء على صفحات الكتب المسمى ب«الديوان«.
ٍ على الطرف المعاكس لهذا الموقف المحافظ للكالسكيين الجدد وشعراء مدرسة الديوان، بل ولكل كتابة
َ ْت َّ ، نجد موقف أدونيس أبرز رواد الحداثة الشعرية. فهو، وإن رأى األهمية التاريخية للبارودي،
َل
تقليدية ت
ً
ٍ كرائد أستطاع أن يكون همزة وصل بين األجيال الجديدة ومنابع الشعر العربي األصيلة إال أنه رأى أيضا
ُ أن مقياس تقدم أي حركة شعرية يكمن ٍ في فهمها لروح عصرها، والتعبير عنه بلغة ٍ وشكل يناسبانه، ال
ومحاولة تقليده أو اإلحتذاء به. وهكذا فإنه - أي أدونيس - يصل إلى إستنتاج
ٍ بعودتها إلى أصل ٍ ثابت ٍ
مفاده أن شعر المرحلة التي سبقت البارودي والمسماة فترة االنحطاط وإن سار في إتجاه الصنعة الفنية
15 خالدة سعيد، المرجع السابق ص62.
16 شوقي ضيف، البارودي رائد الشعر الحديث، دار المعارف، لقاهرة 1988 ،ص 141-142.
17 عباس محمود العقاد،المرجع السابق ص 190-191.
18 أنظر:
Rahmi Er, Çağdaş Arap Edebiyatı Seçkisi, Kültür ve Turizim Bakanlığı Yayınları, Ankara 2004, p.15-16.
SALİH TUR / Şarkiyat Mecmuası Sayı 25 (2014-2) 209-231 217
ّ إلى حدها األقصى الذي اوصل إلى االنحطاط » ولكنه عكس، بالمقابل، عالم المدينة الناشئة وحساسياتها
بالقياس لشاعر ٍ عظيم كأبي تمام أو أبي نواس
ٍ ً
ً للعصر. وقد تكون فترة اإلنحطاط إنحطاطا
وأصبح مشاكال
أو المتنبي أو إمرىء القيس، لكنها بكل تأكيد ليست إنحطاط بالقياس إلى البارودي إنها على األقل حققت
ً في بنية القصيدة وفي اللغة الشعرية.« )19 )بالتالي؛ فإن هذا الموقف ينطبق على كل الذين
ً اساسيا
تطويرا
كتبوا ضمن األصولية العامودية، أو بنية التعبير السلفية مثل شوقي والزهاوي والرصافي وحافظ إبراهيم
ٍ وغيرهم مع إدراكه لتفاوت ما بين هؤالء من حيث الموهبة وامتالك الناصية الشعرية. وعلى نسق ٍ أقل حدة
ُ من ذلك الموقف الذي أتخذه أدونيس، يقف ُ تيار ٌ حداثي، مثلت كتابات سلمى الخضراء الجيوسي األكاديمية
ً إحداثه في الشعر من تغير عميق لبنيته الشكلية
أعمق حاالته، يرى الحداثة سيرورة تاريخية فما كان ممكنا
في العشرينات، وما كان من تطور ٍ هائل للنقد في
ِ وإليقاعاته في األربعينات والخمسينات كان شْبهُ ٍ محال ٍ
العشرينيات، بفضل اإلنتشار الواسع للتعليم واالنفتاح الكبير على آداب الغرب ما كان باإلمكان أن يكون
ً أواسط القرن التاسع عشر أو أواخره. وهكذا ففي تتبع الجيُّوسي لشعر البارودي ورؤيتها كما جمع
متيسرا
ً لمثال الشعر القديم لم
النقاد ألهمية البارودي التارخية كحلقة وصل لوجه القصور عنده والمتمثل ببقائه أمينا
ْها أن ترى أنه، مع ذلك، قام ببعض »المغامرات المترددة خارج الشكل التراثي، مثل قصيدته في مجزوء
ُت
َف
ي
ً في زمانه.«)20)
المتدارك التي تبدو مغامرة
وباإلجمال فإن التتبع التاريخي لبداية النهضة الحديثة يُ ْظ ِه ُر » أن النزوع نحو القديم أو بكلمة أدق:
ً شمل جميع مجاالت
ً عاما
ً حضاريا
إحياؤه وبعثه كان أيامها )نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين( موقفا
الحياة وأوجه النشاطات المختلفة، وعبَّر عن اعتصام لوجدان الجميع بتقاليده وقيمه إزاء المد اإلستعماري
َ ْع ُص ُ ر قوته دليل صحة
ً ... وهكذا فإن الردة إلى الموروث القديم في أ
ً أيضا
ً وفكريا
ً حضاريا
الذي كان غزوا
ثقافية ونفسية ومالذ يحمي الشخصية ويُ ْمسكها ...«)21)
وبين هذا الرأي النقدي وذاك يبقى الموقف اإلبداعي للشاعر الحق الذي ال يتوقف عن طرح األسئلة،
والبحث عن حلول لها، حتى لو أن هذه األسئلة سبق أن طرحت؛ إذ أنه من دون القلق يصبح األدب من قبيل
ً. وفي هذا السياق تجيب رائدة من رواد الحداثة العربية هي
ً يُ ٍ فرح ويغلق في آن معا
صف الكلمات ال خلقا
َ َج َس هذا التجديد على يدها ويد زمالئها في بنية القصيدة العربية أواخر
ْب
نازك المالئكة عن سؤال: لماذا ان
ً حول التصدع الذي قد يعرض له روح األمة العربية
األربعينات؟ مؤكدة على كثير مما أشرنا إليه سابقا
ّ فيتولد اإلبداع من جرائه : » في الواقع إن األفراد الذين يبدأون حركات التجديد في األمة يخلقون األنماط
َّ الجديدة، إنما يفعلون ذلك تلبية لحاجة روحية تبهظ كيانهم وتناديهم إلى سد الفراغ الذي يحسونه، ال ينشأ هذا
الفراغ إال من وقوع تصدع خطير في بعض جهات المجال الذي تعيش فيه األمة. ويغلب أن يكون الفرد
ً لهذا التصدع، غير أنه ومع ذلك يندفع إلى التجديد الذي يُ َعِّو ُض عما تصدع وهو
ً حقا
المبدع غير واع وعيا
ٌ في هذا مقود بمجتمعات بيئية قاهرة ال قدرة له على مقاومتها.« )22 ) إال أن السؤال الذي مالبث أن أنتصب ٍ
ً لبعث الشعر العربي من حالة
ُ بإلحاح، دون أن يمضي على الكالسيكية المحدثة مزيد وقت؛ أكان كافيا
ُ اإلحتضار التي عاشها طيلة القرون التي أنحط فيها فخبا بريقه، وتسممت روحه، وإحياء النماذج القديمة
السامية التي جرى إبداعها في العصر الذهبي والنسج على منوالها. لقد سبق لإلبداع الحضاري العربي
اإلسالمي إبان إزدهاره في القرنين الثالث والرابع للهجريين أن احتك بتراث الحضارت األخرى وباالخص
ْ من بين كل
بالتراث اليوناني عبر الترجمة، فلم يستشعر حينها الحاجة للتعرف إلى أدب تلك الحضارات إذ
19 أدونيس، المرجع السابق، ص55.
20 سلمى الخضراء الجيوسي، المرجع السابق، ص61.
21 نعيم اليافي، الشعر العربي الحديث، دار المجد، دمشق 1986 ،ص 13.
22 نازك المالئكة، قضايا الشعر المعاصر، دار األدب، بيروت 1962،ص 29-30.
218 ÇAĞDAŞ ARAP ŞIIRI’NDE MODERNIZMIN DOĞUŞU VE GELIŞIMI (1798-1950)
ً بالروح الجماعية لألمة العربية، رغم أن إنتاجه
ُ تجليات العقل البشري وإبداعاته. يظل الشعر أشدها إلتصاقا
ُ يتم من خالل أفراد، تفترض األصالة أنهم يتمايزون في الموهبة وطريقة تناول الموضوعات.
ً، لما كان يخالط تلك اإلبداعات
لقد تم في الماضي طرح اإلبداعات الشعرية للحضارات األخرى، جانبا
ً من عقائد دينية أعتبر العقل العربي اإلسالمي أنه في غنى عنها. ناهيك عن إشاعاتها بطرائق تؤدي إلى
ً لقناعة،
إستقرارها في الوعي الجمعي، وابتداء تشويشها لذالك الوعي. كما تم طرح تلك اإلبداعات جانبا
ُ والعصر يومها عصر ٌ إبداعات كبرى، بأن البيان الجميل إمتياز للعربية دون سواها.
ثم حدث في القرون الوسطى، زمن الحروب الصليبية التي استعر لهيبها طوال القرنين الثاني عشر
ُّ والثالث عشر الميالديين. إصطدام كبير بين الشرق والغرب. ويومها كان حظ الغرب االتيني من الرقي
ِّ العلمي والتحضر اإلنساني، يعادل الص َّ فر، فضال عن أنه لم يكن قد أبدع أي ٍ أدب يُذكر. وما كان يمتلك
ِ ُح معه أسئلة األنا واآلخر واجبة
ُصب
ً ت
ً حضاريا
غير مزية الفروسية وروح المغامرة، لذا فإنه لم يشكل تحديا
الوجود.
ً بالكلية. لم يكن التحدي
ً بيد أن األمر- ومع تجدد الغزوة ابتداء من أواخر القرن الثامن عشر- كان مختلفا
ً، كما كان في العصور
ً بحتا
ً عسكريا
الذي نشأ مع رغبة الغرب المتجددة في سيطرة على المنطقة تحديا
ً ٌ . ذلك أن الغرب يجىء-هذه المرة- وخلفه تراث ٌ هائل وعميق في
ً حضاريا
الوسطى بل كان بالمثل تحديا
اآلداب والفلسفة والعلوم واألكتشافات الجغرافية، وهي إنجازات حملت، كما أشرنا، سمة كونية تجعل
التعرف عليها ضرورة ال مناص منها لكل من يريد أن يكون له مكان تحت ضوء الشمس، أو إذا شئنا توسعة
ً كان ذلك التجديد.
ٍ الفكرة لكل راغب بالتجديد، أيا
إن البعثات إلى الخارج، وإنتشار الطباعة والصحافة، وإتساع التعليم، باألخص تعليم اللغات األجنبية،
ً منها في القرن التاسع عشر،
ً بالغرب وآدابه، أو على األقل ما كان سائدا
ً ُ مبكرا
َّ أم ُ نت جميعها احتكاكا
ً- من الكالسيكية المحدثة والشعور أن تلك الكالسيكية بعد أن أحيت
فكان أن ساعد هذا على التبرم- سريعا
َ ُعْد ٍ أي جديد لها يحمل غير تقليد باهت للماضي العظيم، وغير
ُ المثال القديم بجزالته وصوره الموروثة لم ي
ً عن عودته كما في عصور
ً عن إجابات صادقة فضال
براعة لغوية تفتقر إلى الروح، واألنا المتعذبة بحثا
اإلنحطاطات، لمديح الحكام، واإلشارة بمناقبهم وإنجازاتهم التي ال وجود لها خارج القصائد.
ً
إن لعالمية المعارف والعلوم واألدب، وإنفتاح الحضارات اإلجباري بعضها على البعض اآلخر، فضال
في تسريع التحديث وتقليص زمن المراحل الالزمة إلحداث التغير واللحاق بركب الحضارة الغربية الذي
من أبرز سماته عدم إنتظار المبطئين في سيرهم. » وفي نزوعه نحو الوصول إلى المعاصرة مع الشعر
العالمي ... كان على الشعر العربي أن يمر بجميع التجارب الشعرية المختلفة التي عرفها الغرب قبل بلوغه
مستوى الشعر العالمي المعاصر، ولذا نرى أن إنجازات مدارس شعرية عديدة في الغرب حدثت فيه على
َّ مدى قرون، مر بها الشعر العربي الحديث في ظروف عقود قليلة ...«)23)
ّد أقدامها على يد شعراء اكتسب بعضهم شهرة واسعة،
ُ َوط
وهكذا ما أن راحت الكالسيكية المحدثة ت
مثل شوقي وحافظ، حتى قام فريق من أدباء مصر بشن هجوم نقدي واسع على شعراء تلك المدرسة وما
ً باهتة ال ترقى إلى عظمة النموذج وال
تقدمه من تراث شعري، رأوا أن إستعادته للماضي لم تثمر إال صورا
ً له وللوجدان
ً بمسؤولية الشاعر إزاء مشكالت عصره الذي عليه قبل كل شىء أن يكون أمينا
تعكس إحساسا
الذي يسوده.
كان قطب الرحى في مجموعة النقاد الثأئرين على الجيل القديم هو عباس محمود العقاد الذي اصدر
23 سلمى الخضراء الجيوسي، المرجع السابق، ص505.
SALİH TUR / Şarkiyat Mecmuası Sayı 25 (2014-2) 209-231 219
ً من جزأين أطلقا عليه اسم » الديوان في النقد واألدب.« )24 ) لقد
عام 1291 بالتعاون مع المازني كتابا
ً، والشعر على
احتوى الديوان على أراء جريئة ومتقدمة، بالنسبة لعصرها، حول وظيفة األدب عموما
ِّ نحو خاص، و على طرائق كتابته والعالقة بين المبدع وبين نصه. وقام أتجاه تلك المجموعة التي سميت
بجماعة الديوان، أنضم لها شاعر أخر وهو عبد الرحمن شكري: »على دعوى رفض النموذجية، من جهة،
وتحقيق شعر يتآلف مع المكان والزمان من جهة ثانية. ويشترك هؤالء الثالثة )العقاد، المازني، شكري( من
الناحية السياسية اإلجتماعية في رفضهم الوضع السائد وطموحهم إلى ما هو أفضل، و من الناحية الثقافية،
بانحيازهم إلى الثقافة اإلنكليزية، ومن الناحية المنهجية-الفكرية بتغليبهم العقل.« )25« )لقد وضع هؤالء
الثالثة – كما تقول سلمى الخضراء الجيوسي- الحجر األساسي للنقد الشعري الحديث في مصر، وهم، إلى
) 26(
ُ جانب نعيمة، يمكن وصفهم بأنهم أول ك ٍ تاب كبار كتبوا عن النظرية الشعرية الحديثة في اللغة العربية...«
وفي المقدمة من الديوان وصف المؤلفان، العقاد والمازني، عملهما بأنه يبتغي إقامة حد فاصل بين
ّ عهدين، ورغم إنهما عرفا مذهبهما، على نحو سريع بأنه إنساني مصري عربي، إال إنهما فضال وقبل
تفصيل المبادىء الحديثة التي يقوم عليها مذهبهما أن يعمدا إلى تحطيم األصنام التي إنتشرت عبادتها في
دنيا الشعر، ثم تكريسها على أنها أبدع ما في الوجود.
أنصبت جهود العقاد في جزأي الديوان على نقد شعر أحمد شوقي وجاء تحت عنوان » شوقي في
الميزان« ومنذ البداية نلمح عناصر نظريته التي فصلها في غير موضع، وال سيما في كتابه » شعراء مصر
وبيئاتهم في الجيل الماضي« والصادر عام 7391 حول التدرج اللغوي من جيل العروضيين إلى جيل
َ المطبوعين. فبالنسبة للعروضيين »كان سْب ُك الحروف ورصف الكلمات ومرونة الكلمات ومرونة اللفظ
ُ َر وتداول
َ أصعب ما يعنيه أدباء ذلك العهد لندرة األساليب ووعورة التعبير »أما مع جيل المطبوعين فقد كث
ُ ْ رجمت األسفار اإلفرنجية أو أطلع
ُ الدواوين البليغة والرسائل الرصينة أخرجت المطابع ٍ فئات من الكتب. وت
عليها الناشئة في لغاتها، فلم تعد مرونة اللفظ معجزة ذات بال وتقود القارىء إلى أن يبحث عن المعنى، بل
ِ ِه.«)27)
ُ ال يكفي القارىء المطلع أن يجد المعنى حتى يبحث عن وجهته وم ِّ حصلت
ً ومنذ الصفحات األولى للديوان ينسف العقاد المزية التي قامت عليها شهرة شوقي اال وهي »مرونة
إذا
ً لكل من
ً شبه نهائي لركاكة عصر اإلنحطاط صارت مرونة اللفظ ملكا
ّ اللفظ« فمنذ أن وضع البارودي حدا
ً
ً، أن نبحث في الخصائص التي تميز شاعرا
يكتب وصار من الضروري، وقد غدت تلك المرونة مشاعا
عن شاعر آخر، فنبحث عن المعنى ومن وراء ذلك عن غاية الكاتب والمؤدي النهائي لشعره. وبهذا المعنى
يكون الشاعر هو »من يشعر بجوهر األشياء ال من يعددها ويحصيها...« )28 )ويكشف بالتالي عن لباب
األشياء وصلة الحياة بها. وهكذا وعبر النقد المنهجي التفصيلي لبعض قصائد شوقي، يُ ْظ ُهر العقاد إفتقار
ً، في حين أن شعر شوقي
ُ َّراء تتطور سريعا
ذلك الشعر إلى مقومات العظمة، ويكشف كيف كانت ذائقة الق
ٍ ومن معه من الكالسكيين ظل يراوح في مكانه بحيث غدا من الضروري قيام نقد متحرر من التملق الذي
ِ كان يغذ ُّ يه البالط، بغية تحطيم التحجر الذي أصاب نهضة الشعر الحديث، التي لم يكن قد مضى على بدايتها
في المعارف وفي الذائقة، تطور لم يستطيع الشعر
بضعة عقود، ولكنها كانت عقود تطور متسارع ٍ
ُغير ٍ
ِه السريع، فبانت عليه عالمات الشيخوخة، وكان ما يزال بعد في ريعان النشأة.
َ الكالسيكي مجازاة خ ْطو
24 لقد وعد صاحبا الديوان أن كتابهما يتم في عشرة أجزاء إال أنه لم يظهر من الديوان غير جزءين طبع أولهما في يناير، وثانيهما في فبراير سنة
1921 وأعيد طبعهما بعد شهرين. راجع: فصول في النقد عند العقاد، تقديم محمد خليفة التونسي، مكتبة الخانجي بمصر، دون تاريخ، ص25.
25 أدونبس، المرجع السابق ص76.
26 سلمى الخضراء الجيوسي، المرجع السابق، ص206.
27 محمد خليفة التونسي، فصول من النقد عند العقاد، مكتبة الخانجي بمصر ومكتبة المثنى ببغداد، بال تاريخ،ص33.
28 محمد خليفة التونسي، المرجع السابق ص39.
220 ÇAĞDAŞ ARAP ŞIIRI’NDE MODERNIZMIN DOĞUŞU VE GELIŞIMI (1798-1950)
في معرض تثمينها لثورة جماعة الديوان في ميدان النقد الشعري ترى سلمى الخضراء الجيوسي أن
تلك الثورة تميزت بصفتين رئيستين: » األولى، إنها ثورة جاءت في وقتها، فقد كانت المدرسة الكالسيكية
ً بحيث يغدو الوصول إلى
ُ ِرك بال معارضة لضرب جذوره بعيدا
ً في الشعر لو ت
ُ ِّرس ُخ مفهوما
المحدثة ت
ً: كانت ثورة هؤالء النقاد الثالثة مفاجئة بشكل مذهل. فقد كان
ً في غاية الصعوبة. وثانيا
الحداثة مطلبا
َ َّدمه مطران ال يقاس بشئ إلى جانب ذلك التحرر العنيف الكامل من اآلراء
المتحجرة العتيقة التي كانت تسيطر على الشعر ...« 29 ُ )النظير الهادىء من الشعر الذي ق
ً من إنفتاحها على مختلف
وعلى النسق ذاته، أي تبيان الدور النقدي لجماعة الديوان التي أفادت كثيرا
ً واسعة للتخليق الجديد،
الثقافات، وهو إنفتاح أدى مع األيام إلى إكساب األدب العربي حدة في المعاني، وأبوابا
ً على الدورالريادي لهذه الجماعة بتوكيدها على الذاتية مما أدخل البعد الرومنطيقي في
يمضي أدونيس مثنيا
التجربة الشعرية العربية المعاصرة، وتوكيدها على وحدة القصيدة مما مهد لتجاوز البنية التقليدية للقصيدة
)30(
العربية وطرح مستوى آخر لكتابة الشعر وفهمه وتقويمه.«
ولكن رغم التحرر العنيف الذي أظهرته جماعة الديوان والرغبة الصادقة والعميقة لنقدهم بضررورة
َ َرق
تخليص الشعر من األغالل التي عادت الكالسيكية المحدثة فكبلته بها، فإنه نتاج أفرادها من الشعر لم ي
ً بذاكرة جمهور
إلى مستوى الطموح، بل لقد ظل شعر بعض الكالسكيين، باألخص شعر شوقي وحافظ عالقا
ً أكثر من معظم الشعر الذي أنتجه هؤالء الثالثة: العقاد، المازني وشكري.
الشعر العربي- آنذاك- والحقا
والواقع أن الشعر الذي أنتجه العقاد بصفة خاصة »كان يفتقد إلى عناصر الفن األساسية، لكنه استطاع
ً
ً ٍ عن أهميته كشاعر، وذلك في عقول جيل متعطش للتغير والتحديث، وإن كان غائما
ً ذهنيا
أن يخلق انطباعا
ً؛ غزارة إنتاجه الشعري من
ُ في رؤياه ومفاهيمه. وقد يكون سبب ذلك اإلنطباع عن أهمية العقاد شاعرا
ً
ً كبيرا
ناحية وكتاباته النقدية الغنية بالمعرفة والمليئة بالثقة من ناحية أخرى. وكان من نتيجة ذلك أن عددا
ً على ما يجب
من النقاد والمعنيين بالشعر في مصر تقبلوا شعره )إلى جانب شعر المازني وشكري( مثاال
في مصر ...«)31 َّ )أن يكون عليه الشعر الحديث في العربية، فنجم عن ذلك انحطاط ال مفر منه في مستويات التقويم الجمالي
إذ رغم تثمين العقاد للحرية اللفظية التي كتب بها الشعراء العرب في األقطار األمريكية )شعراء
المهجر( َّ ووصفها بأنها هي التي فكت عن قرائهم قيود التقليد واخرجتهم من مآزق األوزان المعهودة
والقافية العتيقة، وأفهمتهم حقيقة األدب فافتنوا في الشعر، وابتدعوا في أوزان النظم وساروا باألدب على
)32 )فإنه لم يُ ِدخ َّ ل في شعره الذي كان بمعظمه ينزع إلى الذهنية والتفلسف، أي تطوير
نهج الحياة والتقدم«
َ ُّ برمهُ بمحاوالت زميله عبد الرحمن شكري حل مشكلة
على بنية القصيدة وموسيقاها، بل لقد أبدى غير مرة ت
ْ ِظُم ٌ القصيدة بحر ٌ واحد وقوافي شتى، وبعض
َن
القافية عبر صياغة شعر ُ م ْر ٍسل للقصائد المطولة، بحيث ي
قصائد المازني التي أحتوت أمثلة على القوافي المزدوجة المتقابلة. يقول العقاد في كتابه »يسألونك«33ٍ :
»أراني اليوم وقد انقضت ثالثون سنة على كتابة تلك المقدمة- أي مقدمة الجزء الثاني من ديوان المازني-
وال يزال إختالف القافية بين البيت والبيت يقبض سمعي عن االسترسال في متعة السماع، ويفقدني لذة
القراءة الشعرية والقراءة النثرية على السواء ...«34 )ومن ثم فهو يرى أن الحل األمثل لمشكلة القافية في
29 سلمى الخضراء الجيوسي، المرجع السابق، ص207.
30 أدونبس، المرجع السابق ص90.
31 سلمى الخضراء الجيوسي، المرجع السابق. ص220.
32 راجع: مقدمة العقاد لكتاب الغربال لمخائل نعيمة، طبعة دار المعارف بمصر، القاهرة 1947 ،ص9.
33 انظر: الصادر عام 1946 عن لجنة البيان العربي بالقاهرة
34 محمد كامل الخطيب، نظرية الشعر، الجزء الخامس، مرحلة مجلة شعر القسم األول، وزارة الثقافة، دمشق 1997،ص45.
SALİH TUR / Şarkiyat Mecmuası Sayı 25 (2014-2) 209-231 221
ُ الشعر العربي قد وجدت طرقة حلها من خالل التجريبة الذي أنتج ما نسيغ وما ال نسيغ، بالتزام القافية في
َّ هذا اإلطالق الذي جربناه وألفناه.«)35 َ )المقطوعات المتساوية أو في القصائد المزدوجة والمسمطة وما إليها ولم تبق لنا من حاجة إلى إطالقها بعد
ً وعدم خلقها لنماذج تضارع الشعر الذي صرفت
ُ إال إنه ك ٍ ل نقد لتقصير »جماعة الديوان« شعريا
َّ جهدها لهدمه ال يلغي أن أصحابها أمتلكوا نظرة نقدية شعرية متقدمة تتمثل في الخروج من المعلوم الشعري
شعري يواكب الدخول في المجهول الكوني.
ٍ الموروث، والدخول في مجهول ٍ
َّ لقد توفي زميال العقاد في جماعة الديوان في وقت مبكر، أما العقاد فقد امتد به العمر حتى الستينيات
حيث وتوفي عام 4691 فشهد ثورة الشعر الحديث كما تجلت عند نازك المالئكة وبدر شاكر السياب ومن
تالهما »من جيل الشباب من شعراء التجربيين، فرفض الحركة الجديدة في الشعر، وبخاصة حركة الشعر
َ ُعْد ُ العقاد ذلك الناقد الثائر الذي كان في العشرينيات. يومها
الحر، ففي الخمسنيات من القرن العشرين، لم ي
استخدم أشد أسلحته أال وهي السخرية الالذعة المستندة إلى أرضية صلبة من المعرفة والثقافة الحديثة في
الهجوم على العناصر غير المرغوبة في الشعر. أما في الخمسينيات فقد جعل من السلطات الممنوحة له
ً يقمع
ً للجنة الشعر في المجلس األعلى للفنون واآلداب والعلوم اإلجتماعية في مصر وسيلة
بوصفه رئيسا
ُ من خاللها ك ٍ ل شعر يُ ْك ُ تب على نموزج الشعر الحر أو يحتوي بعض األمثلة منه. )36)
ومثل جماعة الديوان تمثل اإلسهام األبرز لجماعة شعرية أزدهرت في الثالثينات من القرن العشرين
ً
ً شكال
ْتظرا
هي جماعة (أبوللو) ُ بالتنظير الشعري بأكثر مما تمثل بخلق نماذج شعرية ترقى إلى ما كان من
ً، وهو
ً ٍ . ولكن وإن كانت جماعة الديوان في مجال النقد« ذات صوت أعلى وهدف أشد تطرفا
ووظيفة
ً
ً قطعيا
تقويض دعائم الكالسيكية المحدثة وتقديم مفهوم جديد للشعر ورفض التقاليد الراسخة في الشعر رفضا
ً
ً ثقافيا
ً شعريا
ً. )37 َ )إال أن إتساع حركة أبوللو لتشمل شعراء تنوعت مواهبهم وثقافتهم خ َ لق »رسما
وحاسما
ً في تجاوز شعر »النهضة« بخاصة، والسلفية الشعرية
ً كبيرا
أكثر غنى واستقصاء ومن هنا أسهمت اسهاما
بعامة، وفي التمهيد لنشوء بنية جديدة للقصيدة ومفهوم جديد للشعر.«)38)
ً في مصر
ً مغامرا
وهذان األمران، أي البنية الجديدة للقصيدة، والمفهوم الجديد للشعر لم يشهدا تجريبا
كالحال الذي شهدته بعض التجارب السورية واللبنانية منذ أوائل القرن العشرين، والعراقية في أواخر
األربعينات منه.
يعترف الناقد المصري عمر الدسوقي بجهود شعراء المهجر بما أسهموا في تطور وتجديد الشعر
العربي العربي بعامة والمصري بصفة خاصة فيقول:« لم يسر في ركاب شعراء المهجر أحد من أدباء
مصر إال نفر قليل، حاولوا نظم ما سموه بالشعر المرسل مثل شكري ... ولكنهم ما لبثوا أن أقلعوا عنه؛
ً من أذواق المصريين، كما لم نجد نظراتهم التشاؤمية ونزعتهم المغرقة في التحليل النفسي
ألنه لم يجد قبوال
والتصوف الحزين رغبة في الشرق بعامة، ولكن دعوتهم إلى هجر بعض أغراض الشعر العربي القديم
والسيما المديح والفخر والهجاء كان لها صدى في أدبنا الحديث.«)39)
يمكن للشروط التي قادت للتحديث في كل من مصر وبالد الشام، وطبيعة المكونات السكانية في كال
بكثير من الضوابط
ٍ ً
ً ومحكوما
ٍ القطرين أن تجيب- إلى حد ٍ ما- عن سؤال: لماذا كان التحديث والتجديد هادئا
في مكان، وشديد المغامرة واالنفالت في مكان آخر؟ لقد عرفت بالد الشام الطباعة منذ أوائل القرن الثامن
35 محمد كامل الخطيب، المرجع السابق، الصفحات من 42-48.
36 سلمى الخضراء الجيوسي، المرجع السابق،ص234.
37 سلمى الخضراء الجيوسي، المرجع السابق،ص389.
38 أدونيس، المرجع السابق، ص 119.
39 عمر الدسوقي، في األدب الحديث، الجزء الثاني، دار الفكر العربي، القاهرة 1954،ص 206-207.
222 ÇAĞDAŞ ARAP ŞIIRI’NDE MODERNIZMIN DOĞUŞU VE GELIŞIMI (1798-1950)
عشر، ونشأت قبل هذا التاريخ عالقات بين بعض الطوائف المسيحية ومراكز أوروبية مثل باريس وروما
ً ً على نواحي التقدم العلمي في الغرب. وإبتداء من اواسط القرن التاسع عشر شرعت
ً مبكرا
فاثمر هذا إطالعا
اإلرساليات األجنبية في تأسيس مدارس في شتى أنحاء بالد الشام بلغ عددها في سوريا ولبنان سنة 1883
ً من مجموع مليونين من السكان »وصارت تلك المدارس صاحبة
نحو 1473 مدرسة تضم 62566 تلميدا
اليد الطويلة في نشر الثقافة ورفع المستوى الفكري العام. وهكذا بعد أن كان الناس في مطلع القرن الماضي
)أي القرن التاسع عشر( يعيشون ضمن نطاق ضيق من المعرفة، يحيط بهم ظالم عام من الجهل والتقاليد
والتأخر العمراني أخذوا يتدرجون في سبيل التقدم المادي والفكري فاتسعت لديهم آفاق اإلختيار والنظر إلى
)40(
الحياة والطبيعة وكان لهذا اإلتساع أثر ظاهر في تفكيرهم وأساليب تعبيرهم.«
هذا الهجوم الغربي على بالد الشام، والذي كانت السلطنة العثمانية مضطرة لإلذعان له بسبب تزايد
النفوذ الغربي في شوؤن السلطنة، وما حققته دول الغرب من إمتيازات اتاحت لها- في كثير من األحيان-
فعل ما تريد. وهذا الهجوم لم تعرفه مصر التي شهدت مع مجىء محمد علي باشا قيام دولة، أمسكت هي
بزمام كثير من األمور. األمر الذي ساهم مساهمة كبيرة في صوغ شخصية وطنية مصرية في حين أن
ٍ الشخصية السورية تشظت إلى عديد من الوالءات. وفي حين تمحورت الشخصية المصرية حول اللغة
العربية كاساس لربط حاضر المصريين بماضيهم، كما رأينا عند البارودي وشوقي وحافظ. هذا األمر
أدركه على نحو عميق الباحث محمد كرد علي في كتابه »خطط الشام« لدى حديثه عن المدارس الطائفية
ٍ
ومدارس االرساليات : »نعم تمت بالشاميين كما قلنا مرة )المقتبس من المجلد الخامس( دواعي التفريق في
الوطنية، وضعفت ملكتها فيهم بقوة المدارس غير الوطنية في ديارهم. فإن كانت هذه المدارس قد نفعت
ُ َع ُلم على غير
الشام بما أدخلته إليها من النور القليل فقد أضرتها بإنحالل عقدة وطنية. إن المدارس التي ت
األسلوب الوطني هي التي تسلب من الشام اليوم بعد اليوم روحها...«)41)
ُ ّ ناس، كالشدياق والبستاني ومراش وأديب إسحاق والكواكبي ٍ والحقيقة أنه رغم كل ما أحدثته المدارس األجنبية من نشر للمعارف وتعريف باآلداب األوروبية، و
ً على أيدي ا
ً هائال
رغم تطور النثر تطورا
ً، فظلت النماذج الشعرية أقرب إلى
وغيرهم من نابهة بالد الشام فإنه التطور على صعيد الشعر ظل بطيئا
التكلف الساذجة مع أن راحت تتناهى إلى المسامع قصائد المهجريين، فكانت في كثير منها بيانات لحداثة
جديدة في الشعر العربي على صعيد البنية واإليقاع، باألخص عند شعراء مثل مخائيل نعيمة، ايليا أبو
ماضي، وجبران خليل جبران.
يُ ْ علق األديب أحمد شاكر الكر ِمي في صحيفة األلفباء )13 فبراير سنة 1921 )على كتاب »بالغة
العرب في القرن العشرين« لمؤلفه محى الدين رضاء، وهو أول كتاب يطبع في مشرق العرب، يعرفهم
بما يكتبه ابناء جلدتهم فيما وراء البحار : »قرأت الكتاب من مبتداه إلى منتهاه فساورتني عاتفتان متناقضتان
أحدهما عاطفة فرح وغبطة والثانية عاطفة حزن وحسرة. فر ْح ُت َ ألنني قرأت اسمى ما سكب قلم على وجنة
ً على هذا الحقل )أي يقصد بالد الشام( الذي أخرج لنا باألمس تلك ِ
قرطاس ... وحزنت ألنني القيت نظرة
َّ بساحتها قحط، أليست
ٍ األزاهير فإذا هو اليوم خال َّ من نظائرها مقفر من أشباهها كأن قد حل به جدب أو حط
هذه هي سورية؟ فما بالها اليوم قد جفت تربتها وما بالنا ال نسمع فيها مثل تلك األلحان الشجية والنغمات
السحرية التي يُسمعنا إياها أبناؤها الناؤون.«)42)
،ً
ُ والوقع أن شعر المهجر بحاجة إلى وقفة أطول وأعمق من إطاللتنا هذه. لقد د ُ رس ذلك الشعر مجتمعا
ٍ ودرس شعر كل مهجر من المهجريين، الشمالي والجنوبي على حدة. كما أفردت دراسات تناولت أبرز
40 أنيس المقدسي، الفنون األدبية وأعالمها، دار الكاتب العربي، بيروت 1969 ،ص 35-38.
41 محمد كرد علي، المرجع السابق، ص 80-82.
42 محى الدين رضا، بالغة العرب في القرن العشريين، المطبعة الرحمانية، ط2 ،بمصر،1924 ،ص 14.
SALİH TUR / Şarkiyat Mecmuası Sayı 25 (2014-2) 209-231 223
)43 .)ذلك أنهم ليسوا سواسية في قوة اإلبداع واألثر الذي خلفوه في مهاجرهم وفي األدب العربي
أعالمه
ً. على أننا، والتركيز في مادتنا هذه ينصب على أعالم التجديد الشعري وعالماته، ال بد أن نقف بشىء
عموما
من التأني عند تجربة جبران خليل جبران وما تركته من أثر على الكتابة العربية »بأعتباره الممثل األعمق
ً َّ أو َل في التعبير عنها.«)44 )
ً لرؤيا الحداثة ورائدا
واألغنى لهذا الشعر )الشعر المهجري( وباعتباره مؤسسا
َّ ترى الناقدة والشاعرة سلمى خضراء الجيوسي أن الخدمة التي أداها جبران للشعر العربي جاءت
من طرق ثالثة: » أوالها عن طريق نثره الشعري، وثانيهما عن طريق شعره، وثالثها عن طريق كتاباته
)45(».ً
المتنوعة عن الشعر واللغة والفن عموما
فمنذ أن بدأ التجديد في الشعر العربي- أواسط القرن التاسع عشر-حتى العشرينات من القرن العشرين
ً بالطبيعة من هذه األبيات:
لم تسمع اآلذان أرق وأعذب وأكثر التحاما
َس َك َن ُ الليل ُ وفي ثـوب السكـــون تختبــــــىء ْ األحـــــــالم
َ ْر ُص ُ ــــــد ْ األيــــــــام
وللبدر عيــــون ت
َوس ُ عى البــدر ِ
َ ُ الع َّش ْ ــــــاق
َ ُ ــز ُور َ كرمــــــــة
فتعالي، يا إبنة الحقــــل نـ
ُ ْ األشـــــــــواق
َـــــة
َّ َ نـــا نطفي بذياك الع ِص ُ يــــر حرق
عل
.........
ورغم جمال هذه األبيات، وكثير مثلها في ثنايا دواوينه العديدة إال أن نثره أقل أهمية. هذا إن لم نقل
ً في الستينيات والسبعنيات من
َ صار يعرف الحقا
ِم
َّ مع الجيوسي أنه أكثر أهمية، وذلك، ألنه شك َل األساس ل
القرن العشرين بقصيدة النثر. لقد »كان هو والريحاني أول ثائرين حقيقيين في األدب العربي رفضا ليس
ً القيود التي كبلت األمة العربية
مجرد اإلعتداءات التي يشنها العالم الخارجي على عالمهما العربي ، بل أيضا
من الداخل ذلك الخمول والتهاون والتقاليد المرهقة والجهل والركود ... فالذي تضعضع على أيديهما )أي
جبران والريحاني( وبعد ذلك على أيدي من تأثروا بهما هي التقاليد والمحرمات األدبية البالية.«)46)
ومن أمثلة عنف ثورته على التقاليد مقالته الشهيرة »لكم لغتكم ولي لغتي«: » لكم لغتكم ولي لغتي
ٍ لكم فيها القواميس والمعجمات والمطوالت، ولي منها ما غربلته األذن، وحفظته الذاكرة من كالم ٍ مالوف
ٍ ومأنوس تتداوله السنة العامة في أفراحهم وأحزانهم. لكم منها ما قاله سيبويه واألسود وابن عقيل، ومن
جاء قبلهم وبعدهم من المضجرين المملين، ولي منها ما تقوله األم لطفلها والمحب لرفيقته والمتعبد لسكينة
قلبه ...«)47)
كانت أفكار وأراء جبران في معظم كتاباته ثورية وصادمة »لقد كتب القصة القصيرة والطويلة،
والمسرحية الحوارية، والمقالة، والحكاية الرمزية، والحكمة ، والمثل والسيرة، وقصيدة النثر وقصيدة
ً
الوزن. استخدم األسطورة والتاريخ والدين )اإلسالمي والمسيحي(، والخطابة، والغنائية، واإليجاز أخيرا
)48(
ٌ نستطيع أن نصف جبران بأنه، في أن، حديث ٌ وكالسيكي، واقعي وصوفي، عدمي وثوري«
ولقد غير جبران- كما تقول الجيوسي- الحاسة األدبية في عصره فبعد تجربة جبران غدا من
ٍ الممكن التجريب على أي مستوى، وفي أي مجال من مجاالت األدب؛ ألنه استطاع تحرير الروح المبدعة.
43 راحع بالتفصيل في هذا الموضوع:
Hüseyin Yazıcı, Göç Edebiyatı-Doğuyu Batıya Taşıyanlar, Kaknüs Yayınları, İstanbul 2002; Jacob M. Landau,
Modern Arap Edebiyatı Tarihi 20 Yüzyıl,(ترجمة Bedrettin Aytaç), Gündoğan Yayınları, Ankara 1994, p 93-111.
44 أدونيس، المرجع السابق، ص 163.
45 سلمى الخضراء الجيوسي، المرجع السابق، ص134.
46 سلمى الخضراء الجيوسي، المرجع السابق، ص 208-211.
47 محى الدين رضا، ، المرجع السابق، ص51-53.
48 أدونيس، المرجع السابق،ص 208- 211.
224 ÇAĞDAŞ ARAP ŞIIRI’NDE MODERNIZMIN DOĞUŞU VE GELIŞIMI (1798-1950)
وقد أستطاع أن يفعل ذلك ال عن طريق البيانات الشعرية والتنظير بقدر ما أنجز عن طريق تقديم المثال
األدبي الرائع وهو في هذا المجال يقف على النقيض الكامل من جهود العقاد في مصر. )49)
على أن ما هو بحاجة إلى دراسة مستقلة ومستفيضة هو حال الشعر العراقي الذي قدم شعراء بارزين
كالكاظمي والشبيبي والزهاوي والرصافي والجواهري وأحمد الصاف النجفي وغيرهم، أضافوا الكثير من
ُ القوة والجزالة إلى رصيد الكالسيكية الشعرية العربية كما تجلت عند ك ِّل من شوقي وحافظ إبراهيم. وقد
ً في تجديد الشعر العربي.
ً كبيرا
لعب ذلك الرصيد الضخم من الشعراء دورا
ُعلن منه انطالق »حركة الشعر الحر« عام 9491 بصدور ديوان »شظايا ورماد«
كان العراق الذي أ
لنازك المالئكة وديوان »أساطير« لبدر شاكر السياب عام 0591 وديوان »أباريق مهشمة« لعبد الوهاب
ً من منابر االبداع التجديد. فبهذه الدواوين، ودواوين الشعر الحر التي أخذت تتالحق
البياتي عام4591 ،منبرا
ً بعده، وأنحشرت
ً ال إنتكاسا
في سوريا ولبنان، وفلسطين ومصر أكتسبت الحداثة الشعرية العربية دفعا
أساليب التعبير الكالسكية في الزاوية.
النتيجة
تناولنا في هذا البحث تطور الشعر العربي الحديث، منذ البدايات حتى الخمسينيات. كان الشعر في
ً لشعر العصر العثماني، وكان الشعر في هذه الفترة مصطنع األلفاظ، ومعنيه
عصر النهضة يعد امتدادا
مبتذلة، وأساليبه متكلفة، وأغراضه ضيقة وتافهة،ال روح فيه وال عاطفة.
ً إلى
بدأت طالئع النهضة في الشعر العربي الحديث منذ بداية الحملة الفرانسية على مصر، وصوال
الثور العرابية )8971-0881 .)وأخذت تظهر تباشير هذا التحول في الشعر، مثل شعرالشيخ ناصيف
ً- من
اليازجي، و نقوال الترك، وصفوت الساعاتي وغيرهم. ولكن شعراء هذه الفترة لم يتخلصوا – تماما
البديعيات المخمسات، التضمنيات. إنما الذي تخلص من ذلك كله هو البارودي. يعتبر البارودي الرائد
وزعيم المجددين في الشعر العربي الحديث. حاكى البارودي فحول الشعراء في القرن الثالث والرابع
الهجري مثل المتنبي والبحتري، وأبي تمام وغيرهم. ثم ورث البارودي في التجديد أحمد شوقي، وحافظ
إبراهيم، وإسماعيل صبري. كان التجديد في شعر هؤالء ضيق النطاقز ظل شعرهم في األغلب شعر
المنسبات، بتقليهم للشعر العباسي، فاستنفذوا معانيه، وكثرعندهم تكرارالصور القديمة والقوالب الجاهزة،
ً شعرية جميلة وأصيلة في بعض أجزاء قصائدهم، وبرز
ولكنهم -على الرغم النزعة التقليدية- ابدعوا صورا
في شعرهم مظاهرعاطفية صادقة من وجدانهم، وكذلك واقع المجتمع العربي السياسي الذي دفع إلى منحى
جديد في شعرهم.
ثم جاء بعد هؤالء الشعراء خليل مطران، واللذي ينظر إلى الشعر على أنه مرآة ألحاسيس صاحبه.
مطران طرق أغراض الشعر العربي التقليدية، وفي نفس الوقت طمح إلى التجديد ودعا إلى الحرية الفنية
واالبتعاد عن االناقة والزخرفة ودعم وحدة القصيدة.
كان للجمعات األدبية الفضل الكبيرفي تطور الشعر العربي الحديت، مثل مدرسة شعراء الديوان التي
أقامت ثورة على القديم، ودعت إلى الشعر الوجداني وأكدت على وحدة القصيدة، وأحتفت باألخيلة والصور
الجديدة، ونادت بالرومانسية.
ولكن هذه المدرس على الرغم من ثورتها على القديم إال أن شعراءها نظموا الشعر على المط القديم،
ً بشكل القصيدة وهيكليتها،
ً تاما
ً من شعراء القدماء، ونظموا القصائد الطوال، ملتزمين إلتزاما
وقلدوا كثيرا
محافظين على القافية والروي، مع تمسكهم بوحدة المضمون.
49 سلمى الخضراء الجيوسي، المرجع السابق، ص 148.
SALİH TUR / Şarkiyat Mecmuası Sayı 25 (2014-2) 209-231 225
أما مدرسة شعراء »أبولو« فقد ابتعدوا عن التقليد واإلقتباس عمن سبقهم، وعمدوا إلى ذواتهم ويبرزون
نزعاتهم العاطفية بصد وإخالص مستخدمين الصور الجميلة واأللفاظ السهلة التي تناسب العصر.
نجحت مدرسة أدب المهجر في تطور وتجديد الشعر أكثر من الدارس األخر إلى حد ما، حيث تحررت
هذه المدرسة من القيود القديمة، و أقامت ثورة جريئة في األدب العربي عموما، وفي الشعر خاصة، وكانت
ً وإنفتاحا على األدب الغربي.
أكثر تأثرا
ً فنية
وهكذا أخذ الشعر العربي الحديث منذ حملة نابليون على مصر ينحى نحو التطور،وأخذ أبعادا
تراوح بين القديم والجديد من حيث المضمون الشكل.
226 ÇAĞDAŞ ARAP ŞIIRI’NDE MODERNIZMIN DOĞUŞU VE GELIŞIMI (1798-1950)
SUMMARY
THE EMERGENCE AND DEVELOPMENT OF
MODERNISM IN CONTEMPORARY
ARABIC POETRY
(1798-1950)
Salih TUR*
This study attempts to trace out the renovation movement in modern Arabic
poetry, from its early beginnings in the nineteenth century until it reached the
final stage of reestablishment as far as form and structure.
During the reign of Mohammad Ali Basha and his successors, scientific expeditions
arrived from France. Printing spread. Books, written, translated or traditional
ones, became at the hands of a wider sector of people. By the middle of the
nineteenth century, Arabic news papers were established in Syria, Constantinople,
Europe, and Egypt by several Syrian, thinkers and intellectuals. Consequently,
language had to be swiftly renovated. Prose had to be relieved from the chains
of assonance and become more meaningful after artificiality had the upper hand.
Such a task was not easy to accomplish in the way performed most wonderfully
by the Egyptian poet Mahmoud Sami al–Baroudi, who is commonly believed
to be the pioneer of this awakening and its first poet. Listeners or readers felt
while dealing with his poetry as if they had been dealing with al–Mutanabbi,
Abu Tammam. His poetry was a match in language, vocabulary, expressions,
and signification. Artificiality which dominated in the decline ages disappeared.
Nineteenth century poetry was connected with the ancient poetry by the best
ways. Besides, it successfully dealt with national concerns, which were absent in
poetry for several centuries.
al–Baroudi’s age was an age of liberation and nationalism, Opposing the language
of his time, he resorted to that one used during the Abbasids age, which
was uniquely grand and subtle and reproduced the values of those days. Consequently,
his poetry could be considered as a junction between old and modern
* Assoc. Prof. Dr., Harran University, Faculty of Arts and Sciences, Department of Arabic
Language and Literature (salih-tur@hotmail.com).
SALİH TUR / Şarkiyat Mecmuası Sayı 25 (2014-2) 209-231 227
poetry. Here lies the favor he did for his age. Restoring ancient writings helped
to join modern generations with the original fountains of Arabic poetry in an age
which Lacked of creative examples.
Thus he paved the way for his successes to benefit from that heritage and to
set out on the road of creativity and renovatioin.
al–Baroudi, al–Sa’ati, Shawki, and Haffez who wrote in the late nineteenth
century and the beginning of the twentieth century felt that they needed to make
a jump so as to help poetry to get rid of shallow meanings, and weak structure
which stulled poetry whit silliness. For them, the remedy might come from the
ancient poetry, through trying to imitate its best example and restoring its brilliant
language which could conduct the greatest meanings.
Paying a high tribute to structure and form deprived them of the capacity to
reform structure in such a way that it might become suitable for the age in which
they lived. Further, they strongly opposed any attermpt to change the structure
and inherited rhymes of poetry, though they might say that their poetry produced
renovation and opened its age, they soon had to witness a war over the identity of
that renovation. Could it only be limited to replacing weakness with eloquence,
adding a modern touch of coloring to the eternal subjects of Arabic poetry.
Shawki and Haffez, who made the greatest parts of that criticism which
brought them fame in literature, appeared in the book known as “Dewan”
Generally speaking, any review of the beginnings of modern renaissance shows
an inclination to revisit the past, or more precisely, to try to revive it. Late in the
nineteenth century and early the twentieth century, such a venture pointed out to
a general cultural stand that included all spheres and the different fields of activity,
showing how the collective conscious mess adhered to its values against the
imperialist expansionism which took the shape a cultural as well as a civilization
campaign. So, to return to the ancient heritage in its grand ages signifies a healthy
state of culture and psychology and an attempt to protect the collective character.
al–Akkad passed away in 1964, his two colleagues died earlier. Thus he had
the opportunity to witness the revolt of modern Arabic poetry as represented by
Nazek al–Melaeka and Badr Shaker al-Sayyab, and those who followed them –
the young generation of experimental poets.
The Appolo Group, is a twin of the Diwan Group contributed just like to the
literary criticism in the thirties, Anyhow, the Appolo Group was more famous for
228 ÇAĞDAŞ ARAP ŞIIRI’NDE MODERNIZMIN DOĞUŞU VE GELIŞIMI (1798-1950)
its theorization rather than in its capacity to produce a poetry in form and content
equal to the theories of this group. But whereas the Diwan Group had a louder
voice and more extremist stand, that is, to demolish all the pillars of neoclassicism
and offer a new concept of poetry, besides completely rejecting the established
traditions of poetry, the Appolo movement spread widely and included poets
with different cultural and intellectual back grounds. This enabled it to create
a poetic environment which was richer and more widely spread. Consequently, it
managed to leave the renaissance poets behind it, and to prepare the ground for
the appearance of the new structure and concept of poetry.
The conditions that led to modernization in Egypt and Syria, as well as the
demographic nature of these two countries could to a certain extent, provide an
answer to the question: Why was the renovation calm and governed by determinants
in one place and extremely adventurous and haphazard in another place,
Syria had known printing early in eighteenth century.
The renovation in Arabic poetry began in the mid–nineteenth century and
continued to the twenties of the twentieth century, ears had not heard words more
melodious, lyrical and true to nature.
But what really needs a thorough, independent and detailed study is the Iraqi
poetry which gave us prominent poets such as al-Kadhemi, al–Shabai, al–Zahawi,
al–Rassefi, al–Jawahri, Ahmad Safi al–Najefi… etc. who enriched Arab
classicism with wealth of excellent poetry so did Shawki and Haffez Ibrahim.
That great number of poets played a role to make Iraq the country which the
free werse movement started in 1941.
Affer Nazek al–Melaekai’s anthology” Sharpnels and Ashes” and Bader Shaker
al-Sayyab’s anthology “Myths” which appeared in 1950, besides al-Bayyâtî’s
anthology” “Broken Jugs” in 1954, those anthologies, alongside with the free
verse Anthology, and other ones which appeared in Syria Lebanon, Palestine, and
Egypt gave the Arab modernity movement in poetry a powerful impetus which
can never be defeated, isolating classical methods of expression in a corner.
SALİH TUR / Şarkiyat Mecmuası Sayı 25 (2014-2) 209-231 229
المصادر والمراجع:Kaynaklar Arapça
1 .محمد الكتاني، الصراع بين القديم والجديد في األدب العربي الحديث، جزآن، دار الثقافة-دار البيضاء
.1981
2 .محمد كرد علي، خطط الشام، الجزء الرابع، مطبعة الترقي 1926.
3 .أدونيس، الثابت والمتحول، الجزء الثالث، »صدمة الحداثة« دار العودة، ط1 ،بيروت 1978.
4 .عبدالرحمن ياغي، حياة األدب الفلسطيني من أول النهضة حتى النكبة، المكتب التجاري، بيروت
.1968
5 .إحسان عباس، تاريخ النقد األدبي عند العرب، دار الثقافة،ط1 ،بيروط 1981.
6 .عمر الدسوقي، في األدب الحديث، الجزء األول، دار الفكر العربي،ط7 ،القاهر 1966.
7 ،................. .في األدب الحديث، الجزء الثاني،ط2 ،القاهرة 1955.
8 .سلمى الخضراء الجيوسي، اإلتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث، مركز دراسات الوحدة
العربية، بيروت 2001 .
9 .شوقي ضيف، البارودي رائد الشعر الحديث، دار المعارف، لقاهرة 1988.
1010عباس محمود العقاد، شعراء مصر وبئاتهم في الجيل الماضي، مطبعة حجازي، القاهرة 1937.
1111خالدة سعيد، حركة اإلبداع، دار العودة، بيروت 1979.
1212نعيم الياغي، الشعر العربي الحديث، دار المجد، ط2 ،دمشق 1987.
1313محمد خليفة التونسي، فصول من النقد عند العقاد، مكتبة الخانجي بمصر ومكتبة المثنى ببغداد، بال
تاريخ.
1414مخائل نعيمة، الغربال، دار المعارف، مصر 1946.
1515محمد كامل الخطيب، نظرية الشعر، الجزء الخامس-القسم األول، وزارة الثقافة، دمشق 1996.
1616أنيس المقدسي، الفنون األدبية وأعالمها في النهضة العربية الحديثة، دار الكاتب العربي، بيروت
.1973
1717محي الدين رضاء، بالغة العرب في القرن العشرين، المطبعة الرحمانية،ط2 ،مصر 1924.
1818نازك المالئكة، قضايا الشعر المعاصر، دار اآلداب، بيروت 1926 .
Hüseyin Yazıcı, Göç Edebiyatı-Doğuyu Batıya Taşıyanlar, Kaknüs Yayınları,
İstanbul 2002.
Jacob M. Landau, Modern Arap Edebiyatı Tarihi 20 Yüzyıl,( ترجمة Bedrettin
Aytaç), Gündoğan Yayınları, Ankara 1994.
J.Brugman, An Introduction To The History of Modern Arabic Literature
In Egypt, Leiden 1984.
Rahmi Er, Çağdaş Arap Edebiyatı Seçkisi, Kültür ve Turizim Bakanlığı Yayınları,
Ankara 2004.
230 ÇAĞDAŞ ARAP ŞIIRI’NDE MODERNIZMIN DOĞUŞU VE GELIŞIMI (1798-1950)
Arapça Kaynaklar (Latin Alfabesiyle)
1. ‘Abbâs Mahmûd el-‘Akkâd, Şu‘arâ Mısır ve Binâtuhum fi’l-Cîl el-Mâzî,
Matbatu Hicâzî, el-Kahire 1937.
2. ‘Abdurrahmân Yâğî, Hayatu’l-Edebi’l-Filistinî min Evveli’n-Nahda
Hatte en-Nekbe, el-Mektebetu’t-Ticârî, Beyrut 1968.
3. Adonis (Muammed said ‘Ali), es-Sâbit ve’l-Mutahavvil “Sadmatu’l-Hadâse”,
Daru’l-‘Avde, Beyrut 1978.
4. Enîs el-Makdisî, el-Funûn el-Edebiyye ve A‘lemuhe fi’n-Nahda el-‘Arabiyye
el-Hadise, Daru’l-Kâtibi’l-‘Arabî, Beyrut 1973.
5. Hüseyin Yazıcı, Göç Edebiyatı-Doğuyu Batıya Taşıyanlar, Kaknüs Yayınları,
İstanbul 2002.
6. Hâlid Sa’id, Hareketu’l-İbdâ‘, Dâru’l-‘Avde, Beyrut 1979.
7. İhsân ‘Abbâs, Tarihu’n-Nakdu’l- Edebî inde el-‘Arab, Daru’s-Skâfe,
Beyrut 1981.
8. Jacob M. Landau, Modern Arap Edebiyatı Tarihi 20 Yüzyıl,( ترجمة Bedrettin
Aytaç), Gündoğan Yayınları, Ankara 1994.
9. J.Brugman, An Introduction To The History of Modern Arabic Literature
In Egypt, Leiden 1984
10. Muhammed el-Kettânî, es-Sirâ‘ Beyna el-Kadîm ve’l-Hadîs fi’l-Edebi’l-‘Arabî,
Daru’s-Sekâfe-Daru’l-Beydâ, Beyrut 1981,C. I-II.
11. Muhammed Kurd ‘Ali, Hutatu’ş-Şâm, Matbatu’t-Terakkî, Suriye 1926,
C. IV.
12. Muhammed Halife et-Tunusî, Fusul min en-Nakd ‘ande el-‘Akkâd,
Mektebetu’l-Hancî, Mısır tsz.
13. Miha’il Nu‘ayyme, el-Ğirbâl, Dâru’l-Ma‘arif, Mısır 1946.
14. Muhammed Kâmil el-Hatîb, Nazariyetu’ş-Şi‘r, Vezâretu’s-Sekâfe, Dimaşk
1996.
15. Muhyeddîn Rıda, Belagatu’l-‘Arab fi’l-Karni’l-‘Işrîn, el-Matba‘a
er-Rahmeniyye, Mısır 1924.
16. Nâzik el-Melâ’ike, Kadayâ eş-Şi‘ri’l-‘Arabî, Daru’l-Adâb, Beyrut 1926.
17. Na‘im el-Yağî, el-Şi‘iri’l-‘Arabi’l-Hadîs, Daru’l-Mecd, Dimaşk 1978.
SALİH TUR / Şarkiyat Mecmuası Sayı 25 (2014-2) 209-231 231
18. Rahmi Er, Çağdaş Arap Edebiyatı Seçkisi, Kültür ve Turizim Bakanlığı
Yayınları, Ankara 2004.
19. Selmâ Hadra’ el-Ceyyusî, el-İtticehât ve’l-Harkât fi’ş-Şi‘ri’l-‘Arabî
el-Hadîs, Merkez Dirasât el-Vahde el-‘Arabiyye, Beyrut 2001.
20. Şevki Dayf, el-Barudî Ra’idu’ş-Şi‘ri’l-‘Arabî el-Hadîs, Daru’l-Ma‘ârif,
Kahire 1988.
21. ‘Umer ed-Desûkî, fi’l-Edebi’l-Hadîs, Daru’l-Fikri’l-Arabî, Kahire 1966.
C. I-II.

Konular