التفكير بصوت مسموع - د. عبد الله بن موسى الطاير

التفكير بصوت مسموع
مستقبل الحكم.. استقراره وقوته

ثلاثة أحداث عظام مرت بها بلادنا خلال الأسبوع الأخير من يناير 2015م، وفاة الملك عبدالله - رحمه الله- ومبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -أيده الله-، والأمير مقرن حفظه الله وليا للعهد، أما الحدث الثالث فهو تعيين الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد ومبايعته. ولا يقل أهمية تعيين الأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع ورئيسا للديوان الملكي وهو في هذا العمر - إذا ما قيس العمر بالسنوات- أما إذا قيس بالتجربة فهو منذ ولد وهو في كنف مدرسة الحكم، ولذلك لا تعني السنين الشيء الكثير لخريجي مدرسة الملك سلمان، فإذا أجاز مسؤولا، فذلك يعني أنه أهل للقيام بأعبائها.

الأمير محمد بن نايف اعتبرته الصحافة الغربية منذ فترة نجما أظهرته أعماله في مكافحة الإرهاب المحلي والدولي، وتطوير آليات الأمن في الداخل السعودي كما وكيفا. تعيينه ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية يعد قرارا تأريخيا مفصليا في مسيرة هذه البلاد.. إنه تدشين عصر المملكة الحديث بآلية وقرار انتقال الحكم إلى جيل الأحفاد، وبالتالي تأكيد شباب هذا الوطن الذي مازال يترقى في سلم المجد مقارنة بدول سبقتنا بعقود من الزمن.

لنعترف بأننا عشنا فترة عصيبة سيطر عليها القلق حول ترتيبات وآليات انتقال الحكم إلى الأحفاد، وهو أمر لاخيار فيه. كنا نفكر بأطر تقليدية لتداول السلطة وانتقالها من ملك إلى آخر حسب ما نص عليه نظام الحكم، بيد أنه كان هناك من هو أشد قلقا منا، وهو المعني بالحكم، والمسؤول أمام الله ثم أمام التاريخ عن مستقبل شعب ووطن. تعودنا من القيادة السعودية صدور قرارات لم تكن مطروحة في بورصة التوقعات؛ ومن ذلك هيئة البيعة ونظامها الذي لم يكن واردا في نقاشاتنا بتلك الآلية التي أعلن بها. وتعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لوي العهد، ثم كتب الملك سلمان في سفر التاريخ عبارة لن تُنسى: "الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد". الأمر هنا لا يتعلق بمنصب ولي ولي العهد أو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء فقط، وإنما جمال القرار وقوته وتاريخيته تكمن في تجاوز عقبة كؤد في طريق انتقال الحكم من الأنجال إلى الأحفاد.

تُجمع العائلة الحاكمة والسعودية على شخص الأمير محمد بن نايف. واختياره توفيق من الله لملكنا سلمان الذي لم يتوقف عند المصالح الشخصية، والمؤثرات المؤقتة، فالوطن واستقرار الحكم أمران لامساومة فيهما ولا مجاملة عند خادم الحرمين الشريفين. وبذلك كان القرار حاسما في مسيرة هذه البلاد، ووجد تأييدا شعبيا منقطع النظير. الأمير محمد يجمع بين حيوية الشباب وحكمة الشيوخ، تخرج من مدرسة حكماء آل سعود، فهد وسلطان، ونايف، وعبدالله رحمهم الله جميعا، ولم يكن بعيدا في مسيرته عن معين الحكمة والقوة ومهارات القيادة التي يتمتع بها الملك سلمان أمده الله بعونه وتوفيقه.

المتابع لمسيرته منذ تسلم المسؤولية مساعدا لوزير الداخلية للشؤون الأمنية يدرك الفارق الكبير الذي أحدثه. فهو رجل مؤسساتي، لا يميل إلى الاجتهادات العاطفية. وليس من مؤيدي الحسم الأمني دون النظر في تداعياته، والنظر في البدائل الوقائية والاستصلاحية المتاحة والأخذ بها؛ فعلى سبيل المثال فإن تجربته في مكافحة الإرهاب الذي ضرب بلادنا صاحبتها تعقيدات جمة، فالذين يفجرون نفوسهم هم أبناؤنا، لهم امتدادات أسرية، وقبلية، وتساندهم تيارات فكرية لايستهان بها. التجربتان الجزائرية والمصرية في مكافحة الإرهاب كانتا حاضرتين في المدى غير البعيد، إلا أن طبيعة المجتمع السعودي، وخصوصية العلاقة بين القيادة والشعب فرضت معالجة مغايرة للتجربتين السابقتين. الإرهابي يفجر نفسه اليوم، وغدا يزور الأمير محمد أسرته، مطبقا قاعدة شرعية عظيمة (ولاتزر وازرة وزر أخرى)، ما أدى إلى تأليف القلوب وحرمان أولئك الإرهابيين من ألقاب البطولة. الأمير كان يدفع بأن الإرهابيين فجروا قلوب أسرهم قبل تفجير المباني واغتيال الأبرياء، كما أنه يؤمن بمبدأ مهم في الحكم وهو أن الجميع لهم حق المواطنة، المحسن والمسيء، البار والعاق، الصالح والفاسد، الجميع ينضوون تحت راية الوطن، ولابد من التعامل معهم بميزان العدل وحق المواطنة.

يحرص الأمير محمد على الموازنة بين قوة القرار الأمني وآثاره وتداعياته، ويميل إلى استصلاح الخارجين على القانون إلى جانب عقابهم، موظفا الصبر، والمناصحة. قيّد العمل الأمني بمنظومة حقوقية وقانونية تضمن العدالة وتحقق الردع في ذات الوقت.

أما الأمير محمد بن سلمان، فهو ظاهرة فرضت نفسها على الصعيد المحلي، ليس هناك معلومات كثيرة متداولة عنه، فهو قليل الظهور في الإعلام، ويتمتع بنكران الذات، وذلك يجعله شخصية مثالية لرئاسة الديوان الملكي. ما يؤمله الكل من سموه، أن يكون الديوان مظلة للجميع، وأن يُرسِّخ نهج الموحد، وأعمامه الملوك رحمهم الله جميعا في التعامل مع مناطق المملكة بمسطرة واحدة، وتلك هي سمة والده الملك سلمان، الذي كان أميرا للرياض، ويقصد مجلسه السعوديون من مختلف مناطقهم، فهم يرِدون معين العدل والمساواة والمواطنة بغض النظر عن مناطقهم، ومذاهبهم، وخلفياتهم الجغرافية والفكرية.

Konular