هذا ظلم بحق الشعب الكردي في كوباني –عين العرب

هذا ظلم بحق الشعب الكردي في كوباني –عين العرب-

إن عملية مباحثات السلام الداخلي في القضية التركية-الكردية ما زالت مستمرة على الرغم من كل الحوادث ومحاولات الافشال والمنع والاستفزازات التي تعرضت لها. ولكن إن نظرنا للرصيد العام للأطراف الداخلة في العملية، فلا بد لنا من الاعتراف باختلاف وجهات نظرهم تجاه عملية المباحثات والقيمة والاهتمام الذي يبدونه تجاهها.

فإن معنى وقيمة عملية المباحثات لدى تركيا وحزب العدالة والتنمية وتوقعاتهم منها لا يشبه التوقعات والقيمة لدى حزب الشعوب الديمقراطي. فحزب العدالة والتنمية ينظر إلى العملية على أنها الوسيلة التي ستلبي وتتماشى مع برامجه وأهدافه التي وضعها منذ نشأته عام 2001، كما أنها تشكل جزءاً من عمليات الترميم والإصلاح الشعبي التي تعد أحد متطلبات دور الحزب في خدمة الشعب، كما أنها تمثل جزءاً من مشروع توحيد مقومات الشعب الداخلية وإحلال السلام بينها وتوحيدها مع الدولة.

وفي الوقت ذاته فإن إتمام عملية المباحثات بنجاح سيمثل تتمة حكاية نجاح قد كتبت بعض فصولها. إن حكاية النجاح هذه لن تعود بالنجاح على تركيا فقط، بل على المنطقة بأكملها، وحتى على العالم، حيث ستقدم للعالم مثالاً على قصة نجاح دولة مسلمة يتطلع الناس بشوق لرؤيتها على أرض الواقع.

إن نموذج هذه الدولة المسلمة التي تحترم وتعمل على تلبية توقعات ومتطلبات شعبها، كما تعمل على حل مشكلاتها من خلال الحوار والنقاش للوصول إلى الحل، تعد الشيء الكثير بالنسبة للعالم الإسلامي. وتركيا تعمل جاهدة على جعل هذا الفرق والتميز قصة نجاح تسطر في التاريخ.

إن نظر العالم الإسلامي إلى هذه التجربة العادية بمقياس التاريخ على أنها حكاية نجاح هو بحد ذاته مشكلة أخرى، لكن يبقى أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي اقتربت من إصلاح هذا الوضع الذي انحدرنا إليه.

كما أن لتركيا ولحزب العدالة والتنمية آمالاً أخرى متعلقة بالحياة اليومية وعلى مستوى أبسط من عملية السلام الداخلي، مثل توفير الطمأنينة للشعب والحفاظ على حياتهم، والتخلص من شؤم إقحام القضايا الأمنية في حياة الناس اليومية. أما تنظيم "بي كا كا" (حزب العمال الكردستاني) وحزب الشعوب الديمقراطي، فلهما توقعات ووجهة نظر مختلفة تماماً تجاه هذه العملية. فالتنظيم لم يوافق على شرط ترك السلاح منذ المراحل الأولى من عملية مباحثات السلام. فبينما كان وضع السلاح شرطاً في العملية، انتهز التنظيم فرصة هدوء الدولة خلال فترة المباحثات من أجل رفد الجبال (مواقع تمركز مسلحي تنظيم "بي كا كا") بالمزيد من المسلحين وتجنيد المزيد من الكوادر في المدن.

إن أحداث 6-7 أكتوبر تكشف بشكل فاضح مدى سوء استخدام التنظيم لعملية المباحثات. وليس ذلك فحسب بل تشير تلك الأحداث الى الانحدار الأخلاقي الخطير الذي تعاني منه المنظمة والذي أدى بها إلى تجاوز بعض الخطوط الحمراء.

إن التنظيم الذي أشعل النار في المحيط من خلال الدعوة لإنقاذ كوباني، حاول في الوقت ذاته لفت الأنظار بعيداً عن جهود تركيا التي تعد الدولة الوحيدة التي قدمت مساعدة حقيقية لكوباني. قام التنظيم بفتح عيون العالم على الموقف في كوباني من خلال حملاته في الوقت الذي لا يلتفت فيه العالم إلى الحرب الأهلية والمجازر التي تحدث في كل زاوية في سوريا. في الحقيقة ثمة خدعة في لفت الأنظار إلى كوباني، لكن الواضح أن المنخدعين كانوا على استعداد ورضى تام بالانخداع. إن العالم الذي تيقظ لقضية كوباني ما زال يتعامى عن رؤية ما يحدث في حلب وحمص وإدلب وغزة ورابعة. ومع ذلك فإن المتيقظين إلى قضية كوباني لم يقدموا أي دعماً لها سوى ما يشفي صدور الأكراد، ليقع دور تقديم الدعم والمساعدات على تركيا وحدها من جديد. فقد فتحت تركيا أبواب حدودها لما يقارب المائتي ألف كردي وقدمت لهم المساعدات الانسانية لتفادي كارثة أهلية. وبعد ذلك، سمحت تركيا لقوات البشمركة لمساعدة قادة تنظيم "بي يه ديه" (حزب الاتحاد الديمقراطي) الفارين من تنظيم الدولة. كما أمنت انتقال 1500 مقاتل من الجيش السوري الحر للقتال في كوباني.

إن هذه المساعدات كانت حاسمة جداً. كما أن الجيش السوري الحر المقاتل ضد الأسد كان قد طعن في الظهر سابقا من قبل تنظيم "بي يه ديهط (حزب الاتحاد الديمقراطي) الذي يسعى لمساعدته الآن. إن الجيش السوري الحر إذ يفعل ذلك الآن ليشير إلى تعاونه مع الأكراد ضد مقاتلي الأسد وغالبيتهم من العرب، مما يؤكد على صدق مطالبهم بالحصول على سوريا موحدة.

وبعد طرد تنظيم الدولة من المنطقة يظهر علينا نواب حزب الشعوب الديمقراطي بالقول:"الأكراد فقط هم من أنقذوا كوباني، كوباني ليست بحاجة لأحد، بل على العكس، فالجميع بحاجة إلى كوباني."

أنت من بدء الندب على مأساة كوباني، وأنتم من طلبتم من العالم وتركيا تقديم الدعم لكوباني. لقد استيقظ العالم استجابة لنداء كوباني وقدم لها معروفا لم يقدمه لغيرها من المظالم، وأنقذها من تنظيم الدولة، وخيراً ما فعل. إن كنتم تريدون نكران الجميل، فافعلوا ذلك باسمكم وحدكم، لا تتكلموا باسم شعب كوباني.

فلننظر حقاً هل سيتقبل شعب كوباني نكران الجميل بهذه الطريقة؟

إن شعب كوباني ليس بالشعب الذي ينسى ما قدم له في مثل تلك الظروف العصيبة، ولا يستطيع الرد بنكران الجميل.

لا تظلموهم بالسلوك هذا أسواء مما فعله تنظيم الدولة.

Konular