تركيا الجديدة وشرائح الشارع التركي - كمال أوزتورك

تركيا الجديدة وشرائح الشارع التركي

لقد مرت وما زالت تمر تركيا بتغيرات سريعة. ونحن نعيش أزمة التأقلم مع هذه التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ليس من السهل تكيف المجتمع وتوافق الشرائح الاجتماعية واندماج المؤسسات في هذا الحجم من النمو. وأمامنا اليوم حملة تغييرات كبيرة، وعلى رأسها دستور جديد ونظام حكم جديد.

نحن نتحدث عن تغيير من شأنه أن يؤثر في مستقبلنا ونمط حياتنا ويعد بمثابة تحول مجتمعي. نحن بحاجة لهذا التغيير. فالدولة تنمو ولباسها القديم يضيق عليها. إن تحقيق ذلك لا يتطلب مجرد اتخاذ القرار أو تجهيز استراتيجية الانتخابات فحسب. بل ثمة حاجة ماسة إلى تخطيط دقيق ومطول من كلفة الجوانب التي تشمل سيكولوجية المجتمع والتواصل السياسي والبنية التحتية البيروقراطية والتناغم المجتمعي.

إن حزب العدالة والتنمية لم يعلن عن برنامجه الانتخابي بعد، لكن رئيس الوزراء داوود أوغلو قد أشار إلى عملية انتخابات تتمحور حول الدستور الجديد الذي يشمل التحول إلى النظام الرئاسي. إن رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية أردوغان إذ أعلنا عن "نية" أخذ هذا المسار من خلال الانتخابات، قد أشعلا موجة النقاشات حول الدستور الجديد والنظام الرئاسي.

شريحة المستعدين للفهم

جمهور عريض من الشعب التركي يود فهم ماهية مفهوم "تركيا الجديدة" والدستور الجديد والنظام الرئاسي. هذا الجمهور العريض مكون من ناخبي العدالة والتنمية وأردوغان، ومن يفكر في التصويت لهم، ومن لديه ثقة في السياسة من دون أحكام مسبقة أو تسييس. أنا أؤمن أن هذه الشريحة المنفتحة على الحوار والأخذ والرد تشكل حجر الزاوية في مجتمعنا. لذلك فثمة حاجة ماسة إلى التخطيط السليم لشرح كيفية تأثير هذه التغييرات على حياتنا بشكل مبسط لهذه الشريحة.

شريحة القلقين

إن هذا الموضوع صعب ويتمتع بحساسية عالية. لذلك فإنه من الطبيعي أن يصعب التفريق بين من هو قلق بشكل طبيعي تجاه المسألة ومن ينظر إليها بكراهية نابعة من أسباب أيدويوجية. لكن يجب التفريق بين هاتين المجموعتين.

إن من الطبيعي أن يحتل القلق قلوب بعض الناس بسبب جهلهم بماهية التغيير وكيفية تأثيره المستقبلي على حياتهم وحياة أسرهم. يبدو أن عدم تدخل حزب العدالة والتنمية طوال مدة حكمه الـ 12 عاما ً في حياة الناس وشؤونهم لا يعد كفيلاً أو ضمانا ً كافيا لهذه الشريحة، وهذا أمر طبيعي.

إن صاحب السلطة يشقى لشقاء الناس. إن الإدارة شيء كهذا. فعليك أن تكسب مودة الشعب، وتذهب مخاوفهم وقلقهم. لقد بنينا إمبراطوريتنا على هذه المبادئ.

فمن واجبك أن تدافع عن الشعب وحقه في الحياة، وإن لم يعطيك صوته في الانتخابات، ما دام يعيش تحت إدارتك وسلطتك.

لقد كنتُ شاهدا على وعد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بالحفاظ على حرية أنماط حياة الشعب. لكن يبدو أن ذلك لم يعد كافيا. فهناك حاجة للعمل على تقوية للتواصل. أنا أؤمن أن الشريحة القلقة ذات نوايا حسنة لكنها خاضعة لتأثير خارجي، وتحتاج إلى المزيد من الدعم والتوضيح.

شريحة راعو الكراهية

في الأسبوع الماضي شاركت لأول مرة في أحد البرامج الحوارية ممثلاً لأحدى وجهات النظر، والمرة الثانية كانت في اليوم الذي تلاه. إن برنامجي "شيرين بايزين" الذان تقدمهما على قناة "سي ان ان ترك" يتناولان نفس المواضيع تقريبا. إن الرسائل التي تلقيتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد البرنامج والمليئة بالكراهية والحقد وسوء الأدب قد صدمتني بالفعل. إن كمية التغريدات التي أرسلت كفيلة بإدخالي قائمة "تريند توبيك". لقد دهشت من مشاعر الكراهية والغضب من قبل أناس يرونني لأول مرة. حتى أنهم حكموا على تبسمي بأنه استحقار واستخفاف بالآخرين.

إن هذا الغضب الذي انهال عليّ من قبل أصحاب الرأي المتطرف وبعض منتسبي الأحزاب المعارضة يعد ردة فعل على توجهاتي السياسية والفكرية. وبما أن الموضوع متعلق بأردوغان أيضاً فقد ازدادت حدة غضبهم وكراهيتهم أكثر.

لا بد أنكم تشعرون بأن شيئاً ما يجب أن يفعل من أجل هذه الشريحة، وأنا أيضاً أفكر بذلك من حين لآخر. وقبل أيام استمعت إلى توصية لطيفة من رئيس الشؤون الدينية محمد غورمز حيث قال: "إن الله يحكم العالم بالرحمة. فهو يعطي كلاً رزقه حتى العصاة".

إطفاء الغضب في القلوب الكبيرة

أن تكون كبير القلب، قادراً على إطفاء كل مشاعر الغضب والكره لديك ليعد من أكبر المزايا. هو أمر صعب وشاق، لكنه في الوقت ذاته يليق بأصحاب الهامات العالية. إن العفو والتسامح يرفعان من قيمة القادة.

قد يكون توجه البعض إلى تغذية الكراهية قابلاً للتغيير والحل إن لم يك مرتبطاً بخيانة الوطن أو المرض النفسي وما دام لا ينعكس على شكل أعمال عنف تضر بالشعب. فلنتركه يغضب ويثور. أمن الصعب التسامح مع هذا السلوك ما دام لا يشجع على العنف أو الإساءة؟

لقد سمعت مصطلح "السلام الداخلي" لأول مرة في درس التاريخ في المرحلة الإعدادية. فكل الامبراطوريات العظمى تحرص على تأمي سلامها الداخلي قبل الخوض في معارك للتوسع. فلا بد من السلام في البيت الداخلي، وبعدها يستطيع قادتنا الخروج للعالم، والغزو والدخول في الفتوحات وإنشاء دولة كبرى.

فمن لم يؤمن ظهره، لا يستطيع المضي للأمام.

Konular